د. محمد البشر
هذا عنوان كتاب ألَّفة أبو الوليد إسماعيل بن الأحمر، وهو من سلالة بني نصر حكام غرناطة المشهورين الذين احتفظوا بجزء من الجزيرة الأيبيرية أكثر من مائتي عام، وآثارهم باقية حتى وقتنا الحاضر، وعلى يديهم ودع الحكم الإسلامي تلك البلاد، بعد حكم إسلامي دام أكثر من ثمانية قرون. وترجمات المؤلف مسطرة في كتب شتى، عاش في العصر المريني، وله شهرة في المجال الأدبي والتاريخ، وخلف كتباً كثيرة.
والإضافة التي أضافها المؤلف في هذا الكتاب تتمثل في إلقائه الضوء على العلامة، وهي الختم في وقتنا الحاضر، قد أفاد من جاء بعده ممن عنّ له أن يكتب عن هذا الموضوع، حتى يومنا الحاضر.
والعلَامَة أو الختم، كان وما زال منذ ذلك الوقت يعطي صفة رسمية للخطابات الصادرة من الحاكم، أو من حاجبة، أو كاتبه، أو وصيفه خاصة بصاحب الختم، أو مضافة إلى مهنة الكاتب. أما في وقتنا الحاضر فكل صاحب مؤسسة أو شركة أو غيرها، وحتى الأفراد، كل له ختمه الخاص به، إما أن يستخدمه بنفسه، أو أن يسلمه إلى غيره ليختم بدلاً عنه، ومن المؤسف حقاً أن بعضاً من رجال الأعمال أو الأفراد، يعطي ختمه أحد مَن هم على كفالته أو ممن هم غير كفالته، ليختم عنه، ونشأ عن ذلك بعض من المشكلات الإدارية والمالية، ومع أن هناك أمثلة كثيرة لذلك، إلاّ أن بعض الناس مازال مصراً على إعطاء ختمه إلى أحد العاملين معه ثقة فيهم، قد تكون في بعض الأحيان في غير محلها، ومرد ذلك إلى الكسل أو الترحال المستمر، أو النوم الدائم، لاسيما في النهار، والواقع أنها مشكلة وستظل كذلك، ولعل التقنية بما تحمله من أرقام سرية، وبريد إلكتروني يمكن للمرء أن يحمله في كل مكان تحد من ذلك التجاوز، ومن المؤسف أيضاً أن هناك من يعطي الرقم السري للبريد الإلكتروني لأحد العاملين معه، فيراسل كيفما يشاء، ولا يراجع صاحب المؤسسة الصندوق البريدي ليدقق فيما كتب، بل وربما أنه لا يطلع على المرسلات في بريده الإلكتروني، حتى يقع الفأس في الرأس، وربما يتعلم من خطئه، فيستمر على ما كان عليه مدعوماً بالكسل الذي عشعش في ذهنه.
وأبو الوليد إسماعيل بن الأحمر، يميل إلى السجع في كتابته، ولهذا فقد يعقد سهلاً في سبيل اختيار كلمة تناسب السجع في جملة معينة، ومع هذا فقد أضاف إلينا فوائد جمة في كنيته التي منها هذا الكتاب، فيقول عن الكتّاب: «يحسنون القبيح، ويقبحون الصبيح، ويصلون بالأدب إلى أغراضهم، ويدفعون به الشين عن أعراضهم، وهم ألسنة الملوك بكل أوان، ومقاول الدول وصدور كل ديوان، وأقلامهم المصيبة كم أذهبت من مصيبة» وأطال في القول، ثم أطنب في إطراء حاكم زمانه وحاجته.
وقال عن العلامة إنها تكتب بقلم غليظ النقطة شارة في الكتب كالشهادة الشرعية في العقود، وقد اختلفت آراء الملوك فيها، فبعضهم يضعها بيده في الصك بحبر، ولم يتخذ لها كاتباً، كملوك الموحدين من بني عبد المؤمن بن علي، فإنهم كانوا يكتبون العلامة بأيديهم، ولم يكتبها لهم سواهم، وذلك من أولهم أمير المؤمنين عبد المؤمن إلى آخرهم أبي دبوسي، واسمه (إدريس).
ويقول إيضاً مستطرداً، «وكآبائي الملوك من بني الأحمر فإنهم لم يختصوا من أولهم جدي أمير المؤمنين الغالب بالله محمد بن يوسف الأحمر وهلم جراً، كاتباً لعلامتهم، الاّ أن كل سلطان منهم يكتب علامته بخط يده، وبعض الملوك يقدم لكتابتها رئيس كتبته، وربما شارك بعضهم في كتب العلامة كاتبه المقدم عليها، كبني مرين ملوك المغرب، فإذا رأيت الصك المريني وعلامته، و(كتب في التاريخ المؤرخ به)، فهي بخط السلطان، وإذا كانت و(كتب في التاريخ)، فهي بخط يد صاحب العلامة، وجعلهم بعضها في أول السطر بعد البسملة، وجعلها بعضهم في آخره عند ختم الكلام، وقد اشتق بعضهم لفظ العلامة مجانساً للقبه كالسلطان جدي أمير المسلمين الغالب بالله محمد بن يوسف الأحمر، أول ملوكنا بالأندلس، فلقبه الغالب بالله، وكتب علامته، ولا غالب إلاّ الله، وكالسلطان الواثق بالله يحيى ابن السلطان إسحاق اللمتوني المبورقي، تلقب بالواثق بالله، فكتب علامته «وثقت بالله» وكذلك محمد بن يوسف بن هود، تلقب بالمتوكل على الله، فكتب علامته «توكلت على الله»، ومنهم من يكتب علامته بخلاف اشتقاق لقبه كيوسف بن تاشفين اللمتوني ملك المغرب، فعلامته «صح ذلك بحول الله»، وكملوك الموحدين من بني عبد المؤمن، من جدهم عبد المؤمن بن علي إلى آخرهم أبي دبوس، كانت علامتهم في أول ملوكهم بعد البسملة «والحمد لله وحده»، ولذلك قالت الشاعرة حفصة بنت الحاج الركوني الغرناطي تخاطب أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي:
يا سيد الناس يامن
يؤمل الناس رفده
أمنن علي بصك
يكون للدهر عده
تخط يمناك فيه
«والحمد لله وحده»
هكذا إذا كانت العلامة إذا ما كتب داخل ختم الحاكم في تلك العصور في المغرب العربي والأندلس، ولعلنا نكتفي بتلك الخاتمة الجميلة بذكر حفصة الركونية ذات القصص البديعة، والمشهورة في عصرها بشعرها، وأدبها.
ولنا عودة إلى تلك العلامة في مقالات لاحقة بإذن الله.