د.فوزية أبو خالد
لا أدري لماذا شعر عديد ممن دعوا إلى لقاء ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مشروع التحول الوطني بأن عليهم إحاطته بالتكتم والسرية. ولا أدري هل كان ذلك مطلوبًا منهم أو أنه مجرد اجتهاد شخصي ولكن أي كان السبب فإنني سأتناول الموضوع في هذا المقال وفي مقال لاحق..
لأن موضوع اللقاء -كما فهمته- من المصادر القليلة التي أشارت إليه يستحق التوقف عنده لاستكناه حقيقته وتفاصيله وللعمل على قراءة موضوعه الذي يبدو تعبيرًا عن محاولة تجديدية، كما يوحي به مسمى «التحول الوطني».
وكل من مقال اليوم ومقال الأسبوع القادم عن مشروع التحول الوطني هو نوع من الاجتهاد الذي يسمى في أدبيات العلوم الاجتماعية «الرأي الوطني المهمش» كرأي الأغلبية الذي لا يطلبه أحد ولكن هذا لا يعفي أصحابه من مسؤولية القول به كما لا يعفي الطرف المعني بإدارة الحوار من أخذه في الاعتبار.
ولعلي أحاول اقتصار مقالي الأول هذا على النقاط أو بالأحرى الملاحظات المبدئية التالية:
أولاً، أن المبادرة إلى وضع مشروع للتحول الوطني في هذه المرحلة المحملة بوطأة حربين وبالهبوط الريعي وبكثير من ارتباكات التنمية المحلية وبمحاق الأحداث العربية والإقليمية والدولية هي تعبير عن موقف على درجة عالية من الأهمية والحيوية التي تتطلب نشر أخباره وتعميم العلم به وبفحواه على العامة لا التعتيم عليه إعلاميًا ولا قصر تفاصيله على الخاصة أو على نخب محدودة لم تحدد بناء على انتخاب ولا تطوع من مهتمين، بل بناء على التوسم وبأسلوب أقرب إلى ما يسمى بعينة الكرة الثلجية. فهذه المبادرة تقرأ على قبس يرى فيها حرصًا من الوجه الشاب للقيادة على الأخذ بزمام التغيير والتطوير مصحوبًا بمحاولة إقامة علاقة شفَّافة مباشرة مع المواطنين والمواطنات وعلى إيجاد مساحة للتفكير والعمل المشترك بما يعمق الثقة بين المجتمع والدولة ويؤدي إلى تقوية العلاقة بينهما. وهذا أمر في غاية الأهمية وخصوصًا في هذا الوقت العصيب الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى تعميق وشائج الوحدة الوطنية والتلاحم، حيث آمل أن يكون تقوية التلاحم الوطني في وعاء من العدل والتعدد هو أحد استراتيجيات مشروع التحول الوطني.
ثانيًا، أن اللقاء بين قيادات الكوادر الإدارية كالوزراء ومجموعات من الشرائح الاجتماعية للمشاركة في صياغة الرؤى الاستراتيجية والتقنيات نحو تحويل مشروع التحول الوطني إلى حالة ميدانية قابلة للتطبيق على درجة من الحساسية بحيث إن العدد المدعو لا بد أن يكون ممثلاً لكافة قطاعات العلم والعمل من الجامعات إلى عمال المصانع من شباب البلاد ولا يكفي أن يُكْتفى فيه باللقاء والاستماع إلى عدد محدود من الكتاب والإعلاميين ونحوهم أو مَنْ في حكمهن وحسب. فهناك على سبيل المثال لا الحصر قوى اجتماعية عريضة من الشباب لا يمكن أن تستثنى أو تغيب عن مشروع بهذا الحجم وذلك في الحقل الطبي من طبيبات وأطباء وصيادلة وممرضين وممرضات وهناك الناشطات والناشطون في الحقل الثقافي وفي الشأن الاجتماعي والوطني وهناك الباحثون والباحثات والمعلمون والمعلمات والعاملات والطالبات (ممن هن في عمر الرشد) وسواهم.
وفي هذا لا أقول باللقاء بجميع هؤلاء ولكن أقول: إن تكون مثل هذه اللقاءات المهمة جدًا مع عيِّنة ممثِّلة لهم جميعًا من ربات البيوت إلى سيدات الأعمال، ومن الشباب الجامعي وشاباته إلى شباب الرياضة، كما أقول: إن تكون هناك معايير واضحة يطمئن بها قلب المواطن - المواطنة يتم على أساسها الاختيار لمثل هذا اللقاء الذي لا شك أنه يهدف إلى تأسيس تقليد وطني راقٍ وغير مسبوق بسماع صوت المواطنين دون وسائط لا في طلب شخصي لقرض أو أرض بل في البحث في شؤون الصالح العام. هذا إضافة إلى ما تحمله مثل هذه المبادرة الواعية من إمكانية تطويرها إلى آلية عمل منظِّمة للعلاقة بين الدولة والمجتمع.
ثالثاً، أن اللقاء بالقيادات وإبداء الرأي في الشأن العام أمر في غاية الحساسية والخطورة ولا يمكن تحميل كامل مسؤوليته لعدد محدود من الأفراد مهما بلغت خبرتها وإخلاصها وفي مجموعة مع الثقة بحسن اختيارها ومع الاحترام لها لا تمثل جميع القطاعات التي ينتمي إليها النساء والرجال من الجمعيات الخيرية إلى الصحافة.
رابعًا، أن المبادرة إلى مشروع التحول الوطني باللقاء مع كوادر وطنية وأخذ قائمة بالمطالب والحاجات التي يحتاجها النساء والرجال والاستماع للآراء لرفع مستوى الفعالية الاقتصادية والاجتماعية بالمجتمع مبادرة تنم عن وعي نقدي يجب ألا يقتصر على الجهاز الإداري بل ان تقوم الإرادة السياسية القائلة به بإعطاء مساحة للتطوير السياسي والثقافي لإحداث نقلة نوعية في تنمية رأس المال البشري من ناحية وفي تطوير المشاركة السياسية من ناحية أخرى واكتساب خبراتها في هواء طلق.
خامسًا، أن قوائم المطالب الوطنية أو آراء ومقترحات التطوير والتجديد يجب ألا تكون قائمة بالأماني الشخصية أو الاجتهادات الفردية لعدد محدود من النساء والرجال وذلك، أولاً: دفعًا لأي طابع نخبوي لهذه الاجتهادات أي لئلا تقتصر على التعبير عن مطالب الشرائح ذات التعليم العالي أو المواقع العليا وحدها. وثانيًا: لأن مثل هذه المبادرة هي مبادرة ثمينة ويجب تضمينها مطالب تهم جميع قطاعات وكوادر المجتمع. ويجب أن تشمل بالتجديد والإصلاح بنية الدولة والبنى الاجتماعية العميقة المعيقة للتغيير.
سادسًا، من هنا تأتي ملاحظتي ما قبل الأخيرة وهي أن توسيع دائرة تداول الرأي والمشورة على الأقل في صياغة مثل هذه المشروع فتشمل الآراء الخبيرة والآراء الوطنية النقدية وتعطي فرصة لأن تصاغ المطالب والحاجات والرؤى في ضوء الضمير الوطني الجمعي كما أنها فرصة للحوار وتبادل وجهات النظر وكما يقال عادة «تعدد الآراء يصقل البصيرة» وأن يد الله فوق يد الجماعة.
سابعًا، أن تدعم هذه اللقاءات بمشاركة مؤسسية لمختلف قطاعات المجتمع المدني وتعجل في التصريح بوجود جمعيات واتحادات مدنية لمختلف الاهتمامات الأهلية.
وأخيرًا ومرة أخرى نأمل ألا تكون مبادرة مقطوعة لمثل هذا المشروع الطموح والكبير والضروري للتحول الوطني وأن تتواصل جميع أشكال وجهود العمل المشترك وألا تظل حبرًا على ورق أو حبيسة الصدور والأبراج.