د.فوزية أبو خالد
أين تذهب الطفلة أو الطفل مما لا يجد إجابة على أسئلته إلا هزات رأس أم تجلس بجانبه ولا تراه وهي منكفئة على متابعة «الوتساآبات» وملاحقة خطوط صيحات الاكل واللبس الجديدة على الإنستغرام أو همهمات أب مشغول بمتابعة المباريات والأسهم و بمهام يتوهم أنها من أجل هؤلاء الصغار وإن بدت في جدوله أهم منهم؟.
أين يذهب التلاميذ بأسئلتهم أمام معلمين تضيق صدورهم بمشاكلهم الخاصة وتضيق معارفهم أو أفق التفكير أو مساحته عن الإصغاء لما يبعثه الصغار من قلق الأسئلة أو عبثها؟.
أين تذهب فتيات وشباب صغار أو غلمان لا يجدون من يشاركهم اكتشافاتهم الصغيرة لأنفسهم لملكاتهم ولتفتحات أجسادهم أو أرواحهم على عوالم لم يألفوها في طفولتهم ولم يعدهم أحد لاستقبال دهشتها أو مشاركتهم تلك الدهشة؟.
أين تذهب شريحة متعددة الأعمار من الشباب بأسرار قلوبهم, بأخطاء تجاربهم أو بمخاوف أخطاء التجربة، وبتلك الحروق الصغيرة أو الكبيرة المندلعة على إيهابهم الطري دون أن نشعر بها أو بإغماض عيوننا سهواً أو عمداً لنزعم أننا لم نعرف بسطوها على براءتهم؟.
أين يذهب أولئك اللواتي والذين كانوا يحملون الوجود على أكتافهم العالية ويحركون الكون بأكفهم وفجأة وجدوا أنفسهم وقد كفوا عن ممارسة العمل وكأننا نطلب منهم أن يكفوا عن الحياة, بينما نحن بعيدون عنهم مشغولون بأسرنا الجديدة نلهث خلف حياتنا اليومية بالكاد نتذكرهم بزيارة خاطفة أو بكلمة راكضة، ثم ننسرب في الزحام ونتركهم يترقبون دقة الهواء على الباب؟.
أين تذهب تلك التي وقع عليها ظلم من أحد النافذين من ذي القربى فحرمها ميراث أو جار عليها باليد أو اللسان أو تخلى عنها في التزام قطعه على نفسه لمجرد أن لديه خللاً أخلاقياً أو اجتماعياً أو سواه في فهم معنى الرجولة والقوامة؟.
أين يذهب الشباب الراغب بكسر حاجز التزاوج من داخل نفس الأسرة أو القبيلة أو الدائرة الاجتماعية إذا كانت بعض العادات والتقاليد تقف لهم بالمرصاد فتحرمهم مما أحله الله وتخضعهم لما حرمته اعتبارات قيمية لم تعد قائمة في طور تحول الانتماء من القبيلة إلى وطن؟.
أين يذهب عامل أو عاملة/ شغالة يحتفظ رب عمله برواتبه، لا يعطيه عطلة ولا يوم العيد ولا يلحقه بتأمين صحي كما لا تقبله مستشفى حكومي فيما لو احتاج إلى تطبيب؟.
أين يذهب ذلك الذي حاول أن (يتلبشه) رئيسه في عمله للنيل منه بسبب تفوقه على ذلك الرئيس، أو بسبب جرأته في نقده وإن كان نقداً موضوعياً أو لأسباب عقدية أخرى، أو بدون سبب لمجرد أنه واحد من هؤلاء العباد الذين قادهم سوء الطالع لأن يتحكم في رقابهم بعض العبيد الذين يحملون مسمى رؤساء أقسام أو سواها من المسؤوليات التي لا تليق عادة إلا بالأحرار الذين يعرفون أن من أبجديات الرئاسة العدل وحفظ الكرامة للعاملين معهم، وليس (لديهم) كما يخال بعض الجهلة الذين يظنون أنهم يعيشون في زمن الاقطاعيات الخاصة؟.
أين يذهب أولئك الذين يتعرضون لمحاولات الإذلال من قبل من يملكون سلطة - ما - في الشارع، أو المطار أو في أي من مرافق الخدمات العامة في هذا الجهاز الحكومي أو الأهلي أو ذاك؟.
أين يذهب الفتيات والفتيان ممن لا يجدون عملاً؟ ماذا يفعلون بأوقات الفراغ التي تكاد تأكل يومهم كما تأكل نار حريراً تركه أصحابه في طريقها بعد أن نسجوه بضوء عيونهم خيطاً خيطاً؟.
أين يذهب خريجو تخصصات العلوم الإنسانية بعد أن تشبعت منهم الوظائف الحكومية الروتينية وليس المجتمع في وارد أن يوظف طاقاتهم في حل قضية اجتماعية أو في شاردة أو واردة مما قد يكون لهم معرفة علمية فيه من مسائل العلوم الاجتماعية بحكم التخصص؟.
أين يذهب الشباب الذي يريد أن يحصل على قرض بنكي بمسكن يستر أسرته الشابة التي يقف معها للتو على أعتاب المستقبل, إذا كان مصرح للبنوك أن تضع شروطها التعجيزية في القرض السكني فعدى عن أن البنوك بمجتمعنا خلافا لبنوك العالم تستفرد بأن تستمر نسبتها الربحية شهريا ثابتة من أصل القرض وإن زاد على عشرين عام, فقد خرج على الشباب شرط تعجيزي جديد بأنه لابد الا تقل الدفعة الأولى التي يسمح بموجبها إعطاء القرض عن 30% من كامل السعر. بما يعني أنه على الشباب الا يتقدم لقرض من بنك لشراء منزل بمليون ريال إن وجد ما لم يوفر 300 ألف ريال؟.
أين يذهب المواطن وهو يجد قلة فعالية من الشرطة في التجاوب مع حالات السرقات
أو المشاجرات وما يزيد الرعب أن ينسحب ذلك على حالات الاختطاف كحالة الطفلة الأسبوع الماضي التي قطعت القلوب دون جدوى الله يعقلها لوالديها؟. وأي مؤشر يمكن أن يقرأ من مثل هذا الفعل الإجرامي الشنيع الذي جرى في وضح النهار وفي مستوصف طبي وأمام الكاميرات؟.
أين يذهب القلقون مثلي بمثل هذه الأسئلة إلا أن يلقوها على عاتق الدولة حيناً وعلى عاتق المجتمع المدني حيناً وعلى عاتق القراء في معظم الأحيان علنا نشترك جميعاً في التفكير بحلول لهذه الإشكاليات التي قد تبدو للبعض هامشية، فلا نلتفت لها كعادتنا إلا إذا تحول صغار الشرر إلى دخان يعمي الأبصار -لا سمح الله؟.
تفيض إيميلاتي/ بريدي الإلكتروني يومياً بآلام وآمال مثل هذه الأسئلة التي قد يكتبها أصحابها لإيصال أصواتهم أو لمجرد الفضفضة أو ربما للبحث عن حلول لا يملكها الكتّاب ولو اجتمعوا، إلا أنها تدق جرس إنذار بما يعانيه مجتمعنا من أوجاع اجتماعية.
وما تحدثت عنه ليس إلا عينة لبعض الأعراض المزمنة أو المستجدة التي أقرأ فيها ظاهرة صحية لم تكن معهودة في المجتمع السعودي من قبل، وهي التخلي عن عادة كتمان الشكوى.
فهل هو البريد الإلكتروني الذي أصبح وسيلة تقنية سريعة للبوح أو أن الظاهرة أبعد من ذلك؟ وقد تكون مؤشراً على تولد إحساس عام لدى المواطن السعودي بأهمية التعبير والاعتراف بالمشكلة نحو البحث عن حل لمشكلاتنا الاجتماعية التي كانت من المسكوت عنه.
لست على يقين في هذا الأمر، ولكن هذا المؤشر لا يمكن إلا حمله محمل الجد في توفير القنوات الاجتماعية التي قد تبحث في الحلول فيصير البوح والتصارح مفتاحاً للأمل وليس باباً لأن نستبدل الكتمان باليأس.
إن بعض هذه الأسئلة يحمل أحلاماً بالمزيد من العدل في الفرص وبعضها يحمل أحلاماً بتوفر ضمانات حقوقية والتمكين منها كمعلومات وكتنفيذ، بعضها يحمل أحلاماً بتغييرات قيمية في العلاقات الاجتماعية تناسب تغيرات البنى في التحول من قبائل إلى وطن، وبعضها يحمل أحلاماً بالإرشاد الاجتماعي وبمزيد من أفق المصارحة.
وهي كما أرى أحلاماً حلالاً يمكن تحويلها إلى ورشة إصلاح عام بمزيج من الإرادة السياسية والإدارية وشيء من الخيال الاجتماعي.