عمر إبراهيم الرشيد
مناسبة هذا المقال الصغير أمور ثلاثة، إعلان الحلف الإسلامي بقيادة المملكة لمحاربة الإرهاب، واحتفال الأمم المتحدة بلغة الضاد يوم الثاني عشر من هذا الشهر (ديسمبر) وفي كل عام، وتبعات أحداث باريس الأخيرة. معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية هو سفير دائم للثقافة واللغة العربية هناك، إنما ولشديد الأسف لا يلقى هذا الصرح الحضاري الذي
يمكن أن يعرض صورًا ولوحات مشرقة من حضارتنا الإسلامية والعربية الدعم المادي والمعنوي الكافي الذي يمكنه من أداء رسالته، خاصة أن الفرنسيين يولون المسائل الثقافية والفكرية والمعارض والمتاحف اهتمامًا كبيرًا وكذا يفعل معظم الأوروبيين، والأسباب لذلك عديدة يلخصها التقدم العلمي والسبق الحضاري والوعي الثقافي عمومًا. أضف إلى ذلك أن اللغة العربية هي اللغة الثانية في فرنسا، نظير تعداد المهاجرين العرب هناك والتواجد العربي الدائم أو الموسمي للطلبة ورجال الأعمال والسياح وغيرهم. هذا الصرح الحضاري تتعاظم الآن أهميته وفي هذه الفترة تحديدًا أكثر من ذي قبل، لأنه يمكن أن يجلب المزيد من الاهتمام والإقبال الجماهيري للاستفادة من برامجه ودوراته وفعالياته، ولتصحيح وتوضيح حقيقة الحضارة الإسلامية والعربية وعقد دورات في اللغة العربية والخط الذي يلقى رواجًا وقبولاً حتى ممن لا يفهمون حروفه، إنما لجمالياته المبهرة للعين والنفس معًا، كما أن هناك رغبة وإقبالاً كبيرين في الأساس على فصول تعليم العربية ليس في فرنسا فحسب وإنما على مستوى العالم لما تشكله هذه المنطقة حضاريًا وسياسيًا واقتصاديًا. ونشاط حيوي كهذا إنما هو أحد أكثر أسلحة الحرب على التطرف والإرهاب أيًا كان مصدره وملته، والمملكة بقيادتها للعالم الإسلامي والعربي في حربها على قوى الإرهاب ومن يمولها إقليميًا ودوليًا تستشرف كل ما يسهم في محاربة الإرهاب فكريًا وثقافيًا، وهذا المعهد أحد أهم تلك الوسائل كونه في عاصمة عالمية مؤثرة ليس للفرنسيين وحسب، إنما للعرب المهاجرين هناك وللأجانب المقيمين أيضا. صحيفتا لوموند وليبراسيون الفرنسيتان نبهتا إلى ضرورة زيادة ونشر تدريس العربية في التعليم الأساسي في فرنسا، لأن علماء واختصاصيين تربويين فرنسيين يرون أن ضعف الارتباط باللغة الأم وعدم القدرة على التعبير بها ينعكس سلبًا على السلوك الشخصي ويؤدي إلى اضطراب معرفي وتشتت اجتماعي، فانظروا كيف أن الأجانب تنبهوا لهذا الأمر بينما العرب يتعمدون تصنع ضعف العربية ويخلطون كلامهم (كما في إذاعة مونتي كارلو مثلاً) وبطريقة مضحكة وتبعث على الغثيان بكلمات فرنسية للتمظهر الكاذب. ولنلتفت يمينًا أو يسارًا أو نرهف أسماعنا للتصنع في قنوات فضائية عربية بل ومحسوبة على المملكة وللأسف، وشعارها أنها قنوات الأسرة العربية وهي ميممة شطر الغرب الذي يريد أن يعرف ما لدينا لا أن نقلده، هذا إن كانيتابع إعلامنا ولا أظنه يفعل. الهبة الفرنسية الحالية تجاه العربية ليست عشقًا للعربية بالضرورة بقدر ما هي أيضًا حث الفرنسيين على تعلمها لأهداف سياسية وثقافية واقتصادية معلومة، وكل أمة تبحث عن مصالحها ولا شك، كما نحرص نحن أيضًا على تعلم الإنجليزية لغة العالم حاليًا. فحري بالجامعة العربية من جهة، والمملكة ومصر بثقلهما عربيًا وإسلاميًا من جهة أخرى التركيز وفي هذه الفترة على دعم معهد العالم العربي لنشر اللغة والثقافة والحضارة الإسلامية من منابعها الصافية، مهما كانت أهداف من يتقدم لدراسة العربية، ولا ننسى الحاجة المتعاظمة ومنذ سنوات طوال لتقوية الروابط الروحية والفكرية والثقافية للمهاجرين العرب مع أصول حضارتهم ولغتهم حتى يكونوا أكثر اعتدادًا وثقة بأنفسهم ومن ثم يحترمهم الأجنبي وكل من يشاركهم المعاش وتفاصيل الحياة في المهجر.
في مقال رائع لها كتبت سوسن الأبطح في صحيفة الشرق الأوسط الذي عنونته بـ(أبجدوا وهوزوا) تقول: (المعضلة تبدأ من فوق، من بين عشرة سياسيين لبنانيين معروفين أجري لهم اختبار في الاملاء في نص متوسط الصعوبة، رسب ثلاثة ولم ينل أكثرهم عبقرية سوى 14 درجة من 20، ونسأل بعد ذلك لماذا يسود حوار الطرشان الحياة السياسية)، مقال أكثر من رائع أنصح القراء الكرام بالعودة إليه. عروس اللغات وملكتها، العربية، ليست بهذا التعقيد الذي كرسته للأسف مناهجنا وأوهمت الطلاب بوجوده، ومن أجاد لغته فهم نفسه وعبر عنها وتواصل برقي وذكاء مع غيره وكسب ثقة بنفسه. المجد للعربية، ونصر الله التحالف العربي والإسلامي وهذه البلاد وسائر بلاد العرب والمسلمين.