عمر إبراهيم الرشيد
السينما امتداد للمسرح وشكل من أشكاله، لذا مازالت تحتفظ بتأثيرها ودورها كما بدأت دون أن تؤثر عليها ثورة الإنترنت ووسائط الإعلام والتواصل التأثير المتوقع أول اندلاع الثورة المعلوماتية. ذلك أن السينما تتميز بأجوائها عن باقي وسائل العرض من تلفاز أو جهاز لوحي وغيره، بمؤثراتها وجوها المسرحي وحتى إجراءات دخولها ومقراتها.
... هوليوود عاصمة صناعة السينما العالمية تدير صناعة قائمة بذاتها بمداخيل هائلة توازي موازنات دول، وتنتج أفلاماً تتفاوت في قيمتها الفنية والثقافية والاجتماعية، معتمدة على قصص خيالية في بعضها، أو حقيقية في بعضها الآخر، وفي بعضها تحول روايات وأعمالاً أدبية عالمية إلى أفلام رائعة كذلك. ينطبق هذا بطريقة أو أخرى على باقي دور السينما في دول العالم المهتمة بهذه الصناعة الترفيهية، مع التذكير بأن هذه الصناعة تخضع لتأثيرات أيديولوجية وسياسية واقتصادية سواء في أمريكا أو أوروبا أو آسيا، وفيها الرائع والممتع والمفيد، كما أن فيها الهابط والهزيل والمغرض.
من تلك الأفلام الممتعة والتي تحمل قيمة فكرية وثقافية محفزة للخيال، فيلم (كتاب إيلي) قام ببطولته الممثل الأمريكي الأسمر دنزل واشنطن. قصته باختصار تتحدث عن العالم بعد حرب عالمية مدمرة تقضي على كثير من وسائل العيش من مرافق وموارد ورفاهية، وحتى مخترعات ووسائل تواصل. هذه الحرب تتسبب في تمزق في طبقات الجو العليا تصبح معه أشعة الشمس فتاكة فينتج عن ذلك دمار هائل للبشرية ومنجزاتها، فلا ينجو إلا من يتقي الشمس في أقبية أو مغارات وغيرها.
يعود من بقي من البشر إلى ما يتوافر لديهم من وسائل عيش وتنقل ومعرفة محدودة وتعود شريعة الغاب، فيكون القتال على الماء والطعام ومابقي من وسائل. ومن الأشياء التي يبحث عنها من يسعى إلى السلطة الكتب، والتي بدورها كذلك لم يتبق منها إلا القليل بفعل هذا الدمار العالمي الهائل.
بطل القصة يملك كتابا قيما وهذا ما يجعل طامعاً للتأثير في الناس بغية السلطة لملاحقته والحصول منه على ذلك الكتاب ولو بقتله، ويتبين أن ذلك الكتاب إنما هو انجيل يخفيه بطل القصة عن أنظار الناس لأنه حسب القصة من أسباب نشوب تلك الحرب المدمرة التي أتت على الأخضر واليابس. هنا كاتب القصة يشير إلى دور لتطرف ديني من قبل جماعة مسيحية، بما أن الكتاب هو الإنجيل، مما يجعل حيازة هكذا كتاب محل شبهة أو تهمة في هذه الظروف التي تصورها القصة.. لكن البطل يقرأ هذا الكتاب لاستلهام القيم منه قراءة صحية وبعقل منفتح بلا أفكار مسبقة ومشوشة. إنما من يطارده يريد توظيف الكتاب لغرض التأثير على الناس بغية السيطرة عليهم.
تنتهي قصة الفلم بوصول (إيلي) إلى الوجهة التي قصدها لنسخ الكتاب حتى لا يضيع أو ينفد لينتفع به الناس ومن يقرأه قراءة واعية مؤمناً بالقيم والأخلاق والحكم التي يحويها بين دفتيه. قصة الفلم ترمي إلى التذكير بقيمة الكتاب بشكل عام لأن أحداث الفلم تدور حول الكتب وما بقي منها بعد الحرب الكونية، ومن هم قادرون على القراءة كذلك. كما أنها تشير إلى الكتاب المقدس وكيف أن هناك من يسيء تفسيره وتطبيقه أو يخالف تعاليمه، وآخرون يستشرفون ما به من تعاليم وقيم وحكم يعملون بها ما استطاعوا في حياتهم. وهذا يمكن لكل متابع للفيلم بعقلية حيادية أن يسقطه على ثقافته أو خلفيته الدينية أو بيئته الاجتماعية وهذا سر تميز هذا الفلم وحبكته بما لها من أبعاد إنسانية لا تقتصر على مجتمع دون آخر، لأنها يمكن أن تحدث لأي مجتمع إنساني. مثل هذه الأفلام حقيقة هي ما تحمل قيمة ورسالة بطريقة غير مباشرة تعتمد على ثقافة المتلقي ودرجة وعية، وبالتالي تخاطب عقليته لا غرائزه، كأنها تلك المسرحيات الإغريقية الرصينة، أو الروايات العالمية الشهيرة بنزعتها الإنسانية، دامت لكم متعة المعرفة وصداقة الكتاب.