عمر إبراهيم الرشيد
لكل شعب ذاكرة تمثِّل سجله وتاريخه عبر أجياله المتعاقبة، يحرص على حفظها قصد حفظ الهوية والتراث والإفادة منها في بناء حاضره ومستقبله واستخلاص العبر والدروس، تتفاوت في هذا النهج المجتمعات تبعاً لدرجة تحضرها فكراً وإنتاجاً وقوة.
يحيي الإخوة الجزائريون سنوياً ذكرى ثورتهم المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي الذي رزحت تحته الجزائر مئة وعشرين سنة، حتى نالت استقلالها عام 1962م. # أنا - منسيتش شعار أطلقه الجزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي لتذكير أنفسهم وشبابهم تحديداً بثورتهم وجزء كبير من ذاكرة وتاريخ الجزائر، حتى لا ينسى أو يجهل هذا الجيل وما بعده تضحيات وبطولات أجداده. الأخت عروبة المنيف سبقتني وكتبت هنا عن هذا الموضوع وأجادت كعادة قلمها، مذكرة بأنّ كل ما يثير الأحقاد سيكون وقوداً لفعل يضر بالشعبين الجزائري والفرنسي وهذا حق، إذ لا ينقص العرب قلاقل وحروب أو إرهاب وما شابه.
إنما كما قلت بداية لا يعني إنعاش الذاكرة الوطنية إساءة توظيفها، بل استخلاص الدروس منها لتفادي العلل والأخطاء والأمراض الاجتماعية قدر المستطاع لتجنب الكوارث على اختلافها، ومن ثم السير قدماً والبناء. حدث أن شاهدت تقريراً عن منتخب الجزائر خلال مشاركة دولية في كرة القدم قبل سنوات، وتم إجراء مقابلات مع عدد من لاعبيه الذين لم يتحدث واحد منهم باللغة العربية مع شديد الأسف بل كلهم تحدثوا بالفرنسية!، فهل يصح هذا بحق لغة الضاد التي تشكل جزءاً من الهوية العربية الجزائرية وبحق الجزائر ذاتها، ثم كيف ينظر غير الجزائريين بمن فيهم الفرنسيون إلى هكذا تصرف لا أقول بأنه يمثل الشعب الجزائري، هل ينظرون إلى هذا (التصنُّع) باحترام؟، أترك الإجابة لكم. ولعل في هذا ما يبرر مثل هذه الحملة وغيرها للتذكير بالهوية الوطنية والعربية للشعب الجزائري . وصحيح أن الجيل الفرنسي الحالي غير مسئول عما اقترفه جيل الاحتلال من أجداده ولا ينبغي تحميله وزره، ولا ينبغي كما قلت إساءة توظيف هذه الحملة وتبرير أي عمل متطرف سواء في فرنسا أو غيرها، إلا أنه صحيح أيضا استحالة محو فترة احتلال امتدت قرناً ونيفاً رزحت الجزائر خلالها تحت الاحتلال الفرنسي، كما أنها لن تمحى من ذاكرة الشعب الفرنسي قطعاً، وهو الشعب الذي نادت ثورته الفرنسية بالحرية والإخاء والمساواة، وذلك قبل احتلال فرنسا للجزائر بعشرات السنين!.
الجزائر مرت بفترة هدوء واستقرار عقب الاستقلال امتدت حتى أوائل التسعينيات الميلادية حين اشتعلت نيران القلاقل وضرب الإرهاب بأطنابه أرض الجزائر وامتد ذلك سنوات، إلى أن تراجع واستعاد الجزائريون استقرارهم ووطنهم مع بقاء هاجس التطرف ومناوشات المتطرفين خارج حدود المدن. وهنا مربط الفرس كما يقول التعبير الدارج، إذ ينبغي استخلاص العبر وما أدى في الماضي إلى الضعف الداخلي ومن ثم قدوم المحتل، لتجنبه وتقوية المناعة الاجتماعية والوطنية ضد أي زلزال داخلي أو خارجي، فليس لأشد من أن يكون العدو منك وفيك، كما نرى في بلادنا العربية والخليجية أيضا ممن انقاد لقوى تضمر الحقد الدفين لهذه الأوطان مستعملة بعض أبنائها أنفسهم .
فلنأمل بغد مشرق للجميع، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، والله المستعان.