حمد بن عبدالله القاضي
** بدءاً لا بد أن يُعطَى أي مسؤول يتقلد عملاً جديداً: الفرصة الكافية لاستيعاب تخصصات جهته، وللتخطيط ومعرفة جهازه ومسؤوليه ومسؤولياته، ثم يبدأ خطوات التنفيذ؛ لكي تأتي قراراته متسقة مع الإمكانات، ومدركة أبعاد القرار الذي يحقق مطامح المواطنين ومطالبهم؛ لذا علينا ألا نسارع بالحكم على أي مسؤول قبل أن يبدأ العمل، إما لفهم خاطئ لرأي قديم أبداه، أو الركون لأجندات قديمة، فضلاً عن عدم رفع سقف سرعة زمن الإنجاز.
وزير التعليم د. أحمد العيسى حدثني عنه من يعرفونه أكثر مني بأنه رجل جاد، لديه غيرة كبيرة على دينه ووطنه وأبناء وطنه، فضلاً عن نجاحاته فيما أوكل إليه من مسؤوليات سابقة.
** معالي الوزير، لعلك تبدأ بأهم خطوة، ألا وهي: عقد أهم اجتماع - في نظري - لكي تعرف واقع العمل من واقع الميدان، وليس من أروقة الوزارة، ومن رؤية المستهدفين بمدارسهم، لا من آراء المسؤولين في مكاتبهم، وستدرك عندها ما هي أوليات عملك وعقباته، وربما حلوله العملية لا التنظيرية.. هذا الاجتماع الأهم والأول يكون مع نخبة من الطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات وقائدي وقائدات المدارس؛ ليطرحوا أمامك واقع العملية التربوية بالفصول؛ فالفصل: معلماً ومنهجاً وطالباً وإمكانات هو ((قلب)) العمل التربوي والتعليمي ((والرؤية قبل الرواية))، كما يقول المثل.
** الأمر الثاني: ضرورة إعادة الهيبة للمعلم واحترامه، وإذا لم يتحقق ذلك فكيف نتوقع أن الطالب يستقي المعرفة والعلم والتفاعل؟ فإذا لم يحترم ويهَبْ معلمه فلن يستجيب له، والحكمة العريقة تقول ((لا رأي لمن لا يُطاع)).. إن الحقيقة أن من أهم أسباب ضعف مخرجات التعليم هو ضياع هيبة المعلم الذي لا بد أن يمارس شيئاً من الحزم النابع من الرحمة. والحكيم المجرب يقول:
فقسا ليزدجروا، ومن يك راحماً
فليقس أحياناً على من يرحم
فالقسوة رحمة أحياناً.
** الأمر الثالث: ضرورة التفريق بين الطالب الجاد والمهمل؛ فالحاصل الآن - مع الأسف - الذي أدى إلى الضعف الشديد بمخرجات التعليم: هو المساواة بين المهملين والجادين. وبدون التفرقة لن نجد مخرجات جيدة. وفي تقديري، إن ذلك أهم للتعليم من رصد البلايين للمباني والأمور المادية.
إن غياب الجدية جعل أكثر الطلاب لا يعبأ بمعلم، ولا يقوم بحل واجب، ولا يستعد استعداداً جاداً لاختبار. وقد كتبت مقالاً عن ذلك قبل فترة، عنوانه: ((إلى وزير التعليم: هذه أهم أسباب ضعف مخرجات التعليم))، ولقي تفاعلاً واتفاقاً على المستوى الشخصي وفي تويتر عندما غردت به في حسابي. ولعلني أزود معاليك بنسخة منه.
وأمامنا الدليل: لننظر إلى المخرجات بالماضي عندما كان المعلم مهاباً، بل والداً مربياً. إننا نريد خريجين متعلمين لا أعداداً من جاهلين. وقد عشت وعشنا معالي الوزير زمن الجدية إذ لا ينجح إلا الجاد المثابر رغم ضعف الإمكانات، وتواضع المباني، ولكن كانت المخرجات قوية جداً.
** هذه أبرز الشجون والآمال التي وددت أن أطرحها أمام ((وزير مستقبل الأجيال))، بعضها مني، وبعضها استقيتها من حوار النخب، وممن تحاوروا معي بتويتر بعد مقالي وبعد لقائي بـ «يا هلا». وقد تكون لي عودة لتناول هموم التعليم العالي والابتعاث والجامعات.
أدعو لمعالي د. أحمد العيسى بالتوفيق والعون؛ لينهض بتعليمنا مجدداً بالعطاء، ومضيفاً لما قدمه أسلافه.
= 2=
** آخر الجداول
** يقول شاعر الدهور المتنبئ:
لا تعذل المشتاق في أشواقه
حتى يكون حشاك في أحشائه