خالد بن حمد المالك
مارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي المتطرف تفتقر إلى الكياسة في أحاديثها، ولا تحسن حين تتحدث في الالتزام بأبجديات العمل الدبلوماسي، وحين تعبر عن أفكارها وتوجهات حزبها فهي كمن يدين انغلاقه وعنصريته ونازيته وتعريضه لمستقبل فرنسا للخطر، بينما هي تسعى لكسب الناخب الفرنسي بهذه اللغة المستفزة، وتمني نفسها باسترضاء العنصريين ممن يتناغمون معها في هذا الاتجاه للحصول على أصواتهم بأمل الفوز برئاسة فرنسا، مع أن هذا لو تحقق فهو يشكل مرحلة بالغة الخطورة في تاريخ فرنسا، وسوف يفسد علاقاتها بالدول الأخرى، ويقضي على تاريخ فرنسا القائم على التسامح والتعايش مع جميع الأعراق والديانات.
***
تبنَّت لوبان أساليب فجة، وعبارات مثيرة للسخرية، وكلاماً مقززاً يعبر عن كوامن مريضة في فكرها وسياساتها المتطرفة، وغاب عنها أن الفرنسيين ينبذون أساليب التطرف، وإن آمنوا بحرية التعبير في حدود ما هو متفق عليه بين الأسوياء من السياسيين، إلا أنهم لا يقبلون المزايدة لدواع انتخابية على الطروحات عن الاقتصاد والبطالة والضمان الاجتماعي وغيرها كما هو في أدبيات الجبهة الوطنية المتطرفة، وبمثل ما تتحدث به النازية مارين لوبان مع كل مناسبة تجد فيها فرصة للبوح بأفكارها.
***
نعم فاز حزب الجبهة الوطنية المتطرف في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية الفرنسية، ما طرح تخوف الفرنسيين من أن تكون لوبان قد اقتربت فعلاً من المشهد السياسي الفاعل أكثر من كونها رئيسة لحزب متطرف، فالمعارضة كما هو موقع الجبهة الوطنية شيء، وتولي زمام السلطة في إدارة البلاد شيء آخر، غير أن الصوت الفرنسي الذي يحرص على وحدة بلاده واستقرارها والمحافظة على ثوابتها لم يسمح بتأكيد هذا الفوز بالجولة الثانية، حيث لم تخدعه الشعارات الكاذبة التي تنادي بها لوبان، ولم يكن الناخب الفرنسي أمام سوء الفهم في تحليله لخطاب رئيسة الجبهة الوطنية التي حاولت أن تدغدغ به مشاعر الفرنسيين بالحديث عن حلول لمشاكلهم وخاصة ما كان له علاقة وصلة بالاقتصاد والبطالة.
***
تتحدث لوبان بوقاحة عن الهوية الفرنسية بشكل لم يقله أي حزب أو مسؤول فرنسي من قبل، لتثير بذلك الرأي العام على كل مواطن فرنسي من ليست أصوله فرنسية، وتحديداً من الفرنسيين العرب والمسلمين، وكأنه لا يكفي فرنسا ما حل بها من عمليات إرهابية، لتأتي لوبان فتضغط على حرمان الأقليات من حقوقهم، وبالتالي لتدفع بهذا التعامل المشين الأقليات للتصرف كرد فعل إلى ما يُعرِّض سلامة فرنسا للخطر، دون أن تعي أو تقدر آثار مثل هذه التصريحات التي لم تكن ذات يوم ضمن حسابات العقلاء من السياسيين.
***
من أهداف حزب الجبهة الوطنية المتطرف -وهو حزب عنصري نازي بامتياز- تبني خروج فرنسا من منطقة اليورو، وكذلك الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي، والانسحاب من اتفاقية شنغن، وإعادة العمل بالفرنك الفرنسي بدلاً من اليورو، وانكفاء فرنسا على نفسها بمنع المهاجرين من الاستيطان فيها بحجة المحافظة على الثقافة الفرنسية وتقاليد المجتمع الفرنسي، بل من ضمن أجندة الحزب المعلنة فيما لو لم يخسر الانتخابات في الجولة الثانية -وحسناً أنه لم يحقق أي فوز فيها- إيقاف بناء المساجد بما في ذلك تلك التي صدر ترخيص ببنائها، ما يعبر عن حقد دفين يحمله هذا الحزب رئيساً وأعضاء لكل من هو عربي أو مسلم، بما يعد سابقة خطيرة لم تشهد فرنسا مثيلاً لها من قبل.
***
للإيضاح أكثر عن رئيسة الجبهة الوطنية، يقول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند موجهاً كلامه لمارين لوبان: إذا كنا نرفض الاتحاد الأوروبي، فلا يوجد فضاء آخر بالنسبة لنا. وأضاف: في بعض الأحيان عندما أستمع إليك وإلى خطاباتك أتساءل: هل تودين حقيقة المشاركة في مشروع مشترك؟. وأضاف ساخراً: الحل الوحيد لكل الذين لم يقتنعوا بجدوى الاتحاد الأوروبي، هو الخروج منه وترك اليورو وإلغاء معاهدة «شنغن» أو ربما حتى الخروج من الديمقراطية!!.