خالد بن حمد المالك
أخذتني كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في (G20) عن الاهتمام بموضوعات القمة لبعض الوقت، فقد استمعت إلى الكلمة ثم قرأتها أكثر من مرة، ولفتت نظري محاورها ونقاط الإقناع فيها، ورأيت فيها شيئاً كثيراً مما يجب أن يُقال في هذا المنتدى، في أجواء سادها الحزن والتأثر بما عانته باريس من إرهاب في وقت تزامن مع انعقاد المؤتمر، وكانت مضامين الكلمة في كثير من نقاطها أصدق تعبير عربي يمكن أن يُقال عن موقفه من الإرهاب ومن الإرهابيين إن كان في باريس أو الرياض أو أي عاصمة في هذا الكون الواسع.
***
أثارت الكلمة شيئاً من الهواجس والتوجسات والتوقعات، وحركت بوصلة القادة إلى حقيقة الإرهاب وأسبابه والأسلوب الأفضل لمواجهته، في ظل تباين في وجهات النظر بين الدول، ما ساعد على توالد المزيد من البؤر الإرهابية، بشكل منظّم ومدروس ومخطّط له، كما حصل في باريس، ما يعني أن تطويق الإرهاب والقضاء عليه يأتي أولاً من خلال البحث عن المصدر والممول سواء كان دولة أو منظمة، ومن عدم تعليق القضايا الساخنة دون حل كما في الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية، ومن الدعم المالي واللوجستي والعسكري الإيراني للأعمال الإرهابية.
***
في كلمة الملك سلمان أمام قادة ورؤساء الوفود المشاركة في القمة كان هناك تركيز على محاربة الإرهاب، ومن ذلك أهمية التصدي لمنطلقاته الفكرية، مشيراً إلى أنه داء عالمي لا جنسية له ولا دين، وربط الملك سلمان ذلك بالدعوة إلى إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، مذكِّراً بالاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة ضد الشعب الفلسطيني، وأن على المجتمع الدولي أن يقف موقفاً حازماً من هذه الاعتداءات، مضيفاً في لمسة إنسانية حانية وبتأثر واضح أسفه لأن الرئيس الفرنسي لم يشارك في القمة بسبب التفجيرات الإرهابية المؤلمة التي وقعت في باريس.
***
الملك سلمان ذكَّر زعماء العالم بأن المملكة عانت ولا تزال من الإرهاب، وأنها حاربته ولا تزال بكل صرامة وحزم، بما في ذلك التصدي لمنطلقاته الفكرية التي تتخذ من تعاليم الإسلام مبرراً لها، بينما الإسلام منها بريء، إذ إن منهج الإسلام يقوم على الوسطية والسماحة والاعتدال، واستذكر الملك سلمان اقتراح المملكة بإنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة وتبرعها له بمائة وعشرة ملايين دولار، مطالباً دول العالم بدعمه والإسهام فيه لجعله مركزاً لتبادل المعلومات وأبحاث الإرهاب.
***
من بين الإشارات السريعة والرسالة المتعمدة ما أشار إليه خادم الحرمين الشريفين من أن عدم الاستقرار السياسي والأمني يعيق الجهود في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، وركَّز في هذا الشأن على الأزمة السورية وما نتج عنها من تدمير وقتل وتهجير للشعب السوري الشقيق، مطالباً بإيجاد حل عاجل لها وفقاً لمقررات جنيف، على أن تتم معالجة المشكلة جذرياً، وهو ما يعني إيجاد حل سلمي للأزمة السورية، والوقوف مع حق الشعب السوري في العيش الكريم في وطنه، مضيفاً أن معاناة هذا الشعب سوف تتفاقم بتراخي المجتمع الدولي وعدم سعيه لإيجاد هذا الحل، وأن المملكة عاملت الإخوة السوريين في المملكة بما يفوق ما نصَّت عليه الأنظمة الدولية المتعلِّقة بحقوق اللاجئين والمهاجرين والمغتربين.
***
المناسبة كانت فرصة للملك سلمان ليُسمع هذا العدد الكبير من زعماء العالم الموقف السعودي من الوضع في اليمن، فهذه مناسبة مهمة، إذ تجمّع هؤلاء القادة المهمين، ليتعرّفوا على الموقف السعودي من الأزمة اليمنية، وهو موقف أكّد من خلال ما يجري على الأرض على أن المملكة ودول التحالف حريصة على إيجاد حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن رقم (2216)، وأنها حريصة على توفير كافة المساعدات والإغاثة الإنسانية للشعب اليمني الشقيق، غير أن الحوثيين وعلي صالح ودعم إيران لهم، هو الذي يحول دون تحقيق السلام في ربوع اليمن، وهو ما أفهمه ويفهمه غيري وإن لم يصرح به الملك سلمان مباشرة.
***
الملك سلمان قبل أن ينهي كلمته قال للزعماء إننا أمام فرصة مواتية للتعاون وحشد المبادرات للتوصل إلى حلول عالمية حقيقية للتحديات الملحة التي تواجهنا سواء مكافحة الإرهاب أو مشكلة اللاجئين أو في تعزيز الثقة في الاقتصاد العالمي ونموّه واستدامته، أي أنه في الجزء الأخير من كلمته أوجز كل ما يمكن أن يُقال عن الاقتصاد العالمي بتفاصيله وكذلك عن الإرهاب بكل مسبباته، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته التاريخية في إقرار السلام وحمايته من عبث الإرهابيين، وإلى تنمية مستدامة للاقتصاد العالمي توفر للشعوب مزيداً من الرخاء.
.......... يتبع