محمد آل الشيخ
لم أكن أتوقع ومثلي كثيرون أن تنتهي المعارضة السورية التي اجتمعت في الرياض إلى ما انتهت إليه من مؤشرات نسبيا إيجابية ومشجعة؛ السبب أن تاريخا طويلا من التعاملات السياسية مع كوادر هذه المعارضة كان محبطا للآمال، فما أن يجتمعوا حتى يختلفوا ويختصموا ويتنافسوا على الزعامة، ويتشاتموا، ويخوّن بعضهم بعضا؛ بل لن أكون مبالغا لو قلت إن الأسد والإيرانيين ومعهم الروس كان رهانهم على تشظي المعارضة.
اجتماع الرياض كان بالفعل مختلفاً عن اجتماعات المعارضة السابقة؛ وإن كان البعض حاول أن يمارس هذه الخاصية القميئة - هيثم مناع مثلا - لكنه ظل يمارسها منفرداً، الأمر الذي جعله يبدو وكأنه يغرد خارج السرب.
صحيح أنها خطوة مبدئية، وهناك كثير من الخطوات التي تحتاجها العملية السلمية السياسية حتى تأتي أكلها، ويتم بلورة كيف ستكون عليه سوريا المستقبل، أو سوريا ما بعد الأسد، إلا أن أهمية هذه الخطوة تكمن في أنها الخطوة الأساس التي فيما لو فشلت لما بقي للعالم من خيار إلا التعامل مع نظام الأسد، وتصنيف المعارضة على أنهم هامشيون لا قيمة شعبية لهم داخل الكيان السوري. وهذا ما كان يرمي إليه نظام الأسد والإيرانيون من خلفه.
القوة المهيمنة الآن على الأجواء السورية هي (روسيا)، التي جاءت لدعم جيش النظام والميليشيات الملتحقة به وانقاذه من الانهيار، غير أن ما يتحقق على الأرض من قبل جيش النظام السوري محدود للغاية، وليس لدي أدنى شك أن الروس لم يكونوا يتوقعون أنه بهذا الوهن والهشاشة وضعف العقيدة القتالية مقارنة بمناوئيهم، ما يشير إلى أن المعركة ستكون طويلة ومضنية ومكلفة ماديا ما لم يتدخلوا برياً على الأرض، الأمر الذي يجعل الروس سيجدون أنفسهم مضطرين إلى اللجوء إلى الموضوعية والإذعان إلى مجريات القوة على الأرض مرغمين لا مختارين، وهنا سيصبح الأسد وبقاؤه مكلفا ويستنزف الخزينة الروسية؛ والروس في نهاية المطاف براغماتيون، يهمهم تحقيق مصالحهم بأقل قدر من التكاليف، حتى وإن كان الثمن التضحية بحليفهم إذا ضمنوا تحقيق مصالحهم الإستراتيجية بدونه.
أما إيران فليس ثمة إلا (ديك ورقي)، جعجعة وليس ثمة طحنا، فهي لا تقاتل إلا بالوكالة، وحتى وكلاؤها الذين يقاتلون باسمها، مجرد ميليشيات ومرتزقة، لم يستطيعوا أن يغيروا معادلات القوة والضعف على الأرض خلال خمس سنوات مضت؛ وبالتالي فقدرتها على فرض أجندتها على مجريات اللعبة السياسية، لن يكون لها وزن أو قيمة على طاولة المفاوضات السياسية، لذلك فكل الأوراق ستكون حتما في يد الروس وقليل منها في يد النظام من جهة، ومن الجهة الأخرى في يد المعارضة السورية، فهم من سيقررون إلى أين تتجه بوصلة الحل السياسي في نهاية المطاف.
صحيح أن هناك أصواتا نشازا هنا وهناك تثير بعض الضوضاء، وربما الشغب، ولكن مثل هذه الأصوات يمكن السيطرة عليها بطريقة أو بأخرى، خاصة وأن حلول مثل هذه القضايا لا تبدو واضحة جلية في البداية، لكنها لا تلبث إذا تبلورت وتم علاج تفاصيلها واتفقت القوى العالمية على توجهاتها، أن تصبح مع مرور الزمن أكثر وضوحا.
ويبدوا أن أول من تفاجأ بالمخرجات الإيجابية للمعارضة السورية في الرياض كان الروس أنفسهم، فقد كانوا يعتقدون أن هؤلاء المعارضين (اتفقوا على ألا يتفقوا) وهذا مايقرأه المحلل من ردود فعل الخارجية الروسية على ما توصلت إليه المعارضة السورية في الرياض من مبادئ تفاوضية مع نظام الأسد، فعندما صدر البيان الختامي للمعارضة جاء رد الروس فاترا، ومتذرعا أن هناك فئات معارضة تم استبعادها أو لم تتم دعوتها؛ المهم أن المجتمعين في الرياض هم الأغلبية، والمهم أيضا أنهم اتفقوا على أسس ومبادئ ومحددات لأية جهود سياسية لتخليص سوريا من الورطة الكارثية التي عصفت وما تزال تعصف باستقرارها، ولا أعتقد أن الغائبين عن اجتماع الرياض يختلفون مع المجتمعين على هذه الأسس والمحددات التي هي بمثابة شروط الضرورة لأي حل سياسي لما يجري في سوريا؛ وهذا بيت القصيد من القضية برمتها.
إلى اللقاء