محمد آل الشيخ
إذا سمح العالم لبشار أن يفلت من العقاب وليس فقط أن يبقى رئيسا لسوريا فإن العدالة الدولية، وكل مؤسساتها وتشريعاتها، تتحول إلى مجرد خط على كثيب من رمال. لذلك فإنني على ثقة كاملة أن مصيره الحتمي سيكون كمصير «سلوبودان ميلوشيفيتش» وطغمته، الذي حاولت روسيا ذاتها مد يد العون له وإنقاذه إلا أن جهودها باءت بالفشل الذريع. صحيح أن داعش وجرائمها الفظيعة قد خلطت الأوراق وجعلت الأسد كمطلوب للعدالة الدولية تؤجل قليلا، غير أن هذا التأجيل لا يعني أنه سيفلت من العقاب. السوريون جميعهم يختلفون على كل شيء تقريبا، إلا أنهم يتفقون على بغض هذا الرئيس الذي لطخ يديه بالدماء كما لم تلطخ يدي حاكم دكتاتور من قبله، اللهم سوى نيرون روما. وفي تقديري أن الروس داعميه يدركون ذلك، ويعرفون أن بقاءه منطقيا- مستحيل بعد هذا الكم الكبير من الجرائم التي ارتكبها، غير أنهم أرادوا منه مجرد بيدق على رقعة الشطرنج، يضحون به وبسهولة متى ماكانت التضحية به في إي مرحلة من مراحل الصراع تصب في مصالحهم الاستراتيجية، وأجزم أن هذا ما سيكون قطعا.
بوتين ومعه أركان حكمه لا بد أنهم يتذكرون أن الذي هزم أسلافهم السوفييت في أفغانستان كان صورايخ (ستنجر) الأمريكية المضادة للطائرات، والمحمولة على الكتف آنذاك، وبإمكان الغرب تكرار التجربة في سوريا متى ماتجاوز الروس في دعمهم للأسد ما لا يمكن قبوله وتبريره أمام شعوبهم .
وهناك حقيقة بدأت تطفوا على السطح، وتتأكد مع مرور الأيام تقول أن هزيمة داعش لن تحقق بالقصف من الجو وتحاشي الاشتباك معها على الأرض، الأمر الذي جعل وزير الخارجية الأمريكي يقترح في تصريح صحفي أن يتحد نظام الأسد مع قوى المعارضة السورية المسلحة، الأمر الذي رفضته المعارضة وقابله آخرون منهم بالسخرية. الفرصة المواتية التي أتمنى ألا تضيعها فصائل المقاومة السورية المعتدلة، كما هو تاريخهم مع الفرص لإنقاذ بلدهم، اجتماعهم في الرياض هذا الشهر، لاتخاذ موقف موحد تجاه الحل السياسي بدلا من الحل العسكري، الذي فشل في تحقيق حلمهم في إسقاط النظام السوري الفاشي، وخلق معه غولا لا يقل عنه فاشية، وهما داعش ومعها النصرة المتأسلمتين. وأنا ممن يميلون أن اتفاقهم يبدو بعيد المنال، فهم دائما ما يختلفون ويضيعون الفرصة تلو الأخرى بسبب من يفوز بالجزء الأكبر من غنيمة إسقاط الأسد، لا من ينقذ بلدهم من براثنه.
داعش ومعها جبهة النصرة، والفصائل المتأخونة الأخرى، استطاع الأسد أن يجعل منها بقرة حلوب، يتغذى منها، وفي الوقت نفسه يبرر بها بقاءه، وسواء كانت هذه الفصائل المتأسلمة الإرهابية من صنيعته، أو أنها مخترقة من أجهزة مخابراته، فإن النتيجة واحدة، الأمر الذي جعله يضع من نظامه جزء من معادلة الحل السياسي الذي بدأ يتفق عليه العالم لحل المعضلة السورية التي اتسع حريقها، حتى وصل أوربا، سيما وان الغرب المعاصر يقدس كقيمة أساسية حرية الفرد، وفي أوقات الخوف وعدم الاستقرار والارهاب لايمكن لهذين المبدأين ان يتوافقا فإما الامن وإما الحرية.
ومرة أخرى أقول للمعارضة السورية، نحّوا عنكم خلافاتكم الأيدلوجية جانبا، واجعلوا الهدف محاصرة النظام ومنهم خلف النظام، وإلا فستخرجون أنفسكم من اللعبة السياسية، وسيظل باقيا على الأرض النظام السوري الذي لا يعرف إلا التعامل بالبراميل المتفجرة، وبجانبه المتأسلمون الدمويون، ومن الطبيعي أن ينتصر الأسد ويفرض نفسه في نهاية المطاف.
إلى اللقاء