جاسر عبدالعزيز الجاسر
بكل المقاييس الإستراتيجية والعسكرية تعد قوات الانقلابيين الحوثيين والرئيس المعزول علي صالح أكثر الأطراف المشاركة في الحرب الدائرة باليمن الأكثر خسارة، فبالإضافة إلى فقدانها الكثير من المواقع وحتى المدن لصالح الجيش الوطني اليمني والمقاومة الشعبية التي استعادت الكثير من المحافظات اليمنية المهمة، وقرب تحرير واستكمال تطهير محافظات إستراتيجية كمحافظات تعز والجوف ومأرب، ولهذا فإن موافقة الحكومة الشرعية على عقد مفاوضات مع وفد الانقلابيين في منتصف الشهر الحالي والذي يفترض أن تبدأ غداً في جنيف يعتبر فرصة للحوثيين والرئيس المعزول علي عبدالله صالح وكل من يؤيدهم لانتشالهم من المصير المؤكد إذا ما أصروا على استمرار رفضهم للقرارات الدولية ومخرجات الحوار الوطني اليمني والمبادرة الخليجية، فالانخراط في مفاوضات جنيف بنوايا صادقة بعيدة عن أي مناورات تهدف إلى كسب الوقت والالتزام بوقف إطلاق النار في اليمن يتيح لهم الاحتفاظ بما تبقى لهم من قوى عسكري وحضور سياسي قبل أن يلفظهم اليمين تماماً، بعد طردهم من كثير من المواقع التي استولوا عليها.
هذا الوضع غير المريح إطلاقاً للانقلابيين كان يفترض أن يدفعهم إلى العمل بجدية وصدق لإنجاح مباحثات جنيف وليس ارتكاب جرائم تجعل الأطراف اليمنية الأخرى والقوى الإقليمية والدولية تشكك في جديتهم، فالحوثيون وقبل بدء المحادثات بثلاثة أيام ارتكبوا حماقة أخرى عندما حاولوا من جديد اختراق الحدود السعودية، في منطقة الحارث مما أسفر عن قتل ثمانين منهم ليضافوا إلى مئات القتلى الذين هلكوا عند الحدود السعودية التي ورغم كل الخسائر لم يتعظ الحوثيون بأنه من الصعب اختراقها إن لم يكن مستحيلاً البتة، إلا أن الحوثيين ومن يدفعهم إلى هذه الأعمال الإجرامية يسعون لتحقيق زوبعة إعلامية يظنون أنها ستعزز موقفهم التفاوضي في جنيف، في حين تكرار مثل هذه التجاوزات تجردهم من أي مصداقية وتجعل الأطراف الأخرى تشكك في جديتهم، وأن مشاركتهم في مفاوضات جنيف هدفها فقط كسب الوقت في رهان على حصول متغيرات على الأرض رغم أن كل المؤشرات والوقائع تؤكد أن زخم تحرير الأراضي اليمنية من وجودهم في تصاعد.
ولأن الحكومة الشرعية والمقاومة الوطنية اليمنية والدول الإقليمية وبالذات المملكة العربية السعودية التي تتعرض أراضيها تقريباً يومياً لهجمات عدوانية من الحوثيين لا يثقون تماماً بنوايا وجدية الانقلابيين، رغم توجه وفدهم إلى جنيف للمحادثات، وأنهم وافقوا على هذا المؤتمر لإتاحة الفرصة لجهود الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية تعيد السلم لليمن وتعيد الشرعية لهذا البلد الذي نكب بالحوثيين وطلابي السلطة والذين ينفذون أجندة نظام ملالي إيران، إلا أن الموافقة على طلب الأمم المتحدة بالانخراط في محادثات جنيف على أمل أن يثيب الحوثيون وعلي صالح إلى رشدهم لا يعني التخلي عن الحذر ومراقبة تحركات عناصر إجرامية سواء على الحدود مع المملكة العربية السعودية أو في المحافظات التي لا زالوا يتواجدون فيها، إذ إن أي يخرق لوقف إطلاق النار وأي تحرك لقواتهم يعني رداً قاسياً وسريعاً هذه المرة، ليكون الحوثيون والرئيس المعزول علي عبدالله صالح قد فوتوا آخر فرصة لإعادتهم إلى حظيرة الوطن، حيث سيتم طردهم تماماً وإلغاؤهم من أي تواجد سياسي بعد أن تم إلغاؤهم عسكرياً.