جاسر عبدالعزيز الجاسر
تقدمت المعارضة السورية خطوة إيجابية للمساهمة في تحقيق انفراج في الأزمة السورية تتوافق مع الجهود الدولية التي نشطت في الأسابيع الأخيرة، وأظهرت تقارباً في مواقف الدول المتداخلة في هذه الأزمة، وقد نجحت المعارضة السورية من خلال مؤتمر الرياض الذي اختتم يوم الخميس في وضع إطار نشط للمشاركة في صنع مستقبل سوريا، فقد توصل المشاركون في المؤتمر الذين وصل عددهم إلى 116 عضواً مثلوا كل أطياف المعارضة السورية السياسية والعسكرية، وقد استقبلت الأوساط السياسية في كل الدول المتداخلة في الأزمة السورية قرارات المؤتمر بترحيب، ورأوا في تلك القرارات واقعية ستساعد في حلحلة الكثير من العقد التي كانت تعترض التوصل إلى حل ينهي معاناة السوريين وتجنيب المنطقة استمرار حرب عالمية وإن كانت تجري بالوكالة وبمشاركة لقوات الدول الكبرى باستثناء الصين، فهناك وجود قوي لقوات روسية تتمثل في مشاركة قوية للطيران الحربي، وقوات النخبة من عناصر القوات الخاصة، ومشاركة للقوة الصاروخية من البحر التي اقتربت كثيراً من السواحل السورية، إضافة إلى وجود الطيران الحربي للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا معززاً بمشاركة دول أوروبية وإقليمية في إطار تحالف دولي يضم العديد من الدول حيث أصبح الفضاء السوري مسرحاً للعديد من الطائرات الحربية التي دفعت بآخر ما توصلت إليه من تطور في هذا المجال، فبالإضافة إلى طائرات الإف 16 والإف 15 بكل أنواعها، توجد طائرات الترنيدو والتايفون البريطانية، والرافال والميراج الفرنسية، وساخوي والميج الروسية، كما استعملت أمريكا وروسيا وفرنسا صواريخ متعددة الطرازات من الجو والبحر، حيث أتاح كل ذلك لهذه الدول تجريب واختبار أسلحتها الحديثة على حساب أرواح السوريين.
السماوات السورية لم تكن وحدها المستباحة فقط بل الأرض السورية كانت أكثر استباحة حيث توجد على الأراضي السورية كل أصناف المقاتلين من جيوش منظمة كالحرس الثوري الإيراني والمليشيات الإرهابية التي ضخت عشرات الألوف من المرتزقة، وتنوعت تلك المليشيات بين مليشيات مذهبية مأدلجة كتنظيم داعش والنصرة، تقابلها مليشيات طائفية ضمت خليطاً من مليشيات حزب الله اللبناني، والمليشيات الشيعية العراقية التي رغم تعددها إلا أنها تخضع لقيادة إيرانية موحدة شأنها شأن المليشيات الأفغانية والباكستانية والهندية، هذا الوجود العسكري الذي انضم إليه وجود عسكري روسي على الأرض، وإن كان في بدايته إلا أن هذا الوجود المليشياوي والعسكري النظامي جعل الأراضي السورية مسرحاً لحرب عالمية مصغرة وهو ما عقد الأزمة ويهدد بتوسع تورط القوى الكبرى والإقليمية بعد تزايد الحديث عن دخول قوات برية إلى سوريا.
هذا الواقع والتخوف من تصاعد التدخلات الدولية والإقليمية في الأزمة السورية يعطي لنجاح مؤتمر المعارضة السورية في الرياض أهمية إيجابية ودافعا يعزز السير قدماً في الجهود الدولية التي نشطت أخيراً لمعالجة الأزمة السورية، فالقرارات التي صدرت عن ممثلي المعارضة السورية الذين مثلوا كل الأطياف المعارضة لنظام بشار الأسد تلبي إلى حد كبير المتطلبات التي حددتها الدول التي ستعقد مؤتمر جنيف 3 والذي سيعقد هذه المرة في نيويورك الذي كان محدداً له في 18 من ديسمبر والذي قد يتأخر إلى ما بعد الانتهاء من أعياد الميلاد المسيحية، فمؤتمر المعارضة السورية في تشكيل هيئة عليا ستقوم بتعيين الوفد التفاوضي الذي سيمثل المعارضة الوطنية الذي سيتباحث مع وفد نظام بشار الأسد، وهذه الهيئة التي تتكون من 32 عضواً تضم ممثلين من الفصائل المسلحة والكتل السياسية، ولوحظ في تشكيل هذه الهيئة توافر التمثيل الطائفي والديني وتمثيل المناطق والنساء مما يجعلها أقرب للتمثيل المتكامل لجميع السوريين، وسوف تجتمع هذه اللجنة التي ستتخذ من الرياض مقراً لها، الوفد التفاوضي الذي سيشارك في مباحثات جنيف لإجراء محادثات مع وفد النظام، ولاحظ المراقبون واقعية كبيرة في فقرات بيان مؤتمر المعارضة السورية الذين لاحظوا استخدام عبارة «رحيل الأسد مع بداية المرحلة الانتقالية» بدلاً من الحديث السابق الذي كان يصر على تنحي الأسد كشرط مسبق للانخراط في المباحثات، وهذا يتيح لروسيا التي كانت تصر على بقاء الأسد من التراجع عن وجود بشار الأسد في المراحل الأخرى.
عموماً كل الدوائر السياسية المهتمة بالملف السوري رأت في قرارات مؤتمر المعارضة السورية في الرياض خطوات إيجابية ستسهم في نجاح الجهود الدولية باستثناء إيران التي لا تتوافق أجنداتها في وضع نهاية لمأساة السوريين لأن الفوضى السياسية والعسكرية تخدم أطماعها.