جاسر عبدالعزيز الجاسر
سبعة وثلاثون عاماً قطعتها مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عمرٌ طويلٌ حافلٌ بالإنجازات، إلا أن طموحات أهل الخليج العربي، وفي ظل توفُّر إمكانات مالية هائلة، وترابط قوي بين أهل الخليج إذ تكاد تكون العوائل واحدة، فالقبائل التي ينتمون إليها واحدة موحدة والنسيج الاجتماعي واحد، والأهداف واحدة، ومع هذا وقياساً بالعمر الطويل لم يتحقق كل ما كان يأمله أهل الخليج العربي، صحيح أن كثيراً من الإنجازات تحققت إلا أن ذلك لم يرتقِ إلى ما كان يأمله أهل الخليج، صحيح أن الحدود بين دول المجلس أصبحت مفتوحة إذ يستطيع المواطن الخليجي أن يتنقَّل بين دول المجلس بالبطاقة الشخصية، وله حق التملُّك والإقامة في أي بلد، وأن يمارس النشاط الاقتصادي والاستثماري، إلا أن الأهم لم يتحقق بعد، فدول الخليج العربية جميعاً تُعاني من خروقات في درعها الأمني والدفاعي، ولا تزال بنود الاتفاقية الأمنية غير مفعَّلة، كما أن دول مجلس التعاون ليست متفقة جميعاً أمام أخطر تهديد لها، وهو التدخل السافر لنظام ملالي إيران، ففي الوقت الذي تتصدى فيه دولٌ لمحاولات إيرانية للتدخل في الشؤون الداخلية التي أصبحت لا تُحتمل، تُطأطئ دولٌ أخرى رؤوسها وكأن الأمر لا يعنيها، ورغم تأجيل الخلايا النائمة في تلك الدول أعمالها الإرهابية، وفق سيناريوهات موضوعة سلفاً إلا أنها سيأتيها الدور حتماً ولن يفيدها الابتعاد عن المساهمة الفعّالة في تحصين الدرع الأمني الخليجي، كما أن هناك تلكلؤاً فاضحاً وواضحاً لبعض دول الخليج العربية عن الإسهام الحقيقي في بناء القوة العسكرية الدفاعية لدول المجلس جميعاً والمشاركة في التصدي لأي خروقات تهدد أمنها الإقليمي الخليجي سواء عبر أذرع إيران الإرهابية، أو ما يصدر من تهديدات مبطنة من نظام ملالي إيران أو غيره، وقد أظهرت عاصفة الحزم لسد ثغرة الخرق الإيراني للعمق الإستراتيجي عبر اليمن مدى التزام دول المجلس وتخاذل دولة ومشاركة رمزية لدول أخرى، لتظهر الالتزام القوي للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية اللتين أظهرتا بالإضافة إلى قوة التزامهما بالأمن الموحد لإقليم الخليج، قوة عسكرية فعّالة يمكن الاعتماد عليها، والتي يجب أن يُبنى عليها وتطويرها ببناء درع صاروخي دفاعي، ورفع التنسيق بين الجيشين السعودي والإماراتي والترحيب بأي مشاركة لقوات دول الخليج العربية الأخرى وإسقاط المترددين من حسابات القوة الخليجية التييجب أن تتجاوز كل المجاملات وكشف المستور لأهل الخليج حتى يعرفوا من يخضعون لتهديدات ملالي إيران، بل وحتى الذين يتعاونون معهم للأسف الشديد من داخل مجلس التعاون.
لكل هذا، فإن مطالبة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته التي افتتح بها اجتماعات القمة الخليجية الـ36 التي اختتمت أمس، بتقييم المسيرة الخليجية مطلبٌ يُطالب به كل أهل الخليج، ليس فقط تقييم مستوى التنسيق السياسي الذي لم يكن واحداً طوال مسيرة المجلس، إذ تتباين مواقف دوله الست تجاه العديد من القضايا السياسية حتى تلك التي لها تأثير مباشر على دول مجلس التعاون، وبالذات العلاقة مع نظام ملالي إيران، ومع بعض الدول التي لا تخفي معاداتها لمجلس التعاون.
صحيح أن هناك تنسيقاً وشبه إجماع تجاه القضايا العامة كالقضية الفلسطينية، إلا أن هناك مواقف رمادية تجاه قضايا حساسة بالنسبة لمجلس التعاون كالتعامل مع الملف السوري، وانقلاب الحوثيين في اليمن.
أما بالنسبة لبناء القوة العسكرية والدفاعية، فالمرحلة الراهنة تتطلب تحويل قوة درع الجزيرة إلى جيش خليجي واحد يضم جميع أفرع القوات المسلحة من طيران وقوات بحرية وصواريخ، وقوات برية متطورة تكون تحت قيادة مركزية موحدة لها قادرة على الوصول إلى أية دولة من دول مجلس التعاون بسرعة ودون أية عراقيل، وأن يُتخذ قرارٌ من قِبل قادة دول المجلس بشرعية تدخُّلها للدفاع عن أمن وحماية أية دولة من دول المجلس تتعرض للتهديد.
أما الشيء المهم الآخر والذي تزداد أهميته بعد تزايد الهجمات الإرهابية من الأنظمة الشريرة والمليشيات الإرهابية، فهو إعادة صياغة المنظومة الأمنية لدول المجلس ومراجعة الاتفاقية الأمنية الموحدة لجعل دول المجلس فضاءً أمنياً واحداً، وإلا ستبقى جميع دول المجلس مهددة ومعرضة للاختراق، وعلى الدول المترددة والمتحفظة أن تتخلى عن ذلك أو تعلن عدم التزامها، ليتم تجاوزها وحصر التعاون والتنسيق بين الدول الملتزمة فقط.
كل هذه الملاحظات يجب مراجعتها وتقييم مسيرة التعاون للعمل بوضوح وبكل شفافية لتحقيق ما يطمح له أهل الخليج، وتجاوز المترددين والذين لهم حساباتهم التي تريد الاستفادة من الانتماء لمجلس التعاون دون أن تسهم في إنجاح مسيرة مجلس التعاون وصولاً إلى مرحلة التوحيد.