د. محمد عبدالله الخازم
ماذا نريد من جامعاتنا؟ هل نريدها مجرد قاعات درس أم معاقل حضارية تبنى فيها أسس تكوين الشخصية السعودية المنفتحة على الآخر؟ كيف يتحقق هذا الانفتاح ونحن نلغي أو نقلص كثيرًا من أوجه المناهج الخفية كالمناشط الرياضية والثقافية والفنية والاجتماعية؟ كيف يتحقق ذلك ونحن نتجه إلى تكريس المناطقية في تعليمنا الجامعي؟
لقد كتبت أول مرة في هذا الموضوع قبل خمسة عشر عامًا، تقريبًا، متباهيًا بجامعاتنا، بأنها تسهم في تكريس الوحدة الوطنية وأفتخر بأنني تعرفت على أبناء وطني من خارج منطقتي وكونت معهم صداقات دائمة من خلال دراستي وسكني بجامعة الملك سعود. حينها كانت جامعة تجمع أبناء الوطن من الشمال والجنوب والشرق والغرب، بل وفيها زملاء من دول عربية وغير عربية بشكل ملحوظ. الذي حصل بعد ذلك، أنه وبسبب توجهنا للانغلاق وبسبب نقص المقاعد الجامعية، تم إلغاء قبول الطلاب الأجانب بالجامعات السعودية، ففقدنا قيمة كبرى في التنوع والتعرف على الثقافات من خلال الاحتكاك بالطلاب غير السعوديين. ثم جاءت مرحلة أخرى، افتتحنا الجامعات بكل منطقة فبرز التوجه الأخطر الذي تتبناه بعض الجامعات بشكل معلن أو غير معلن، والمتمثل في اقتصار قبول طلاب المنطقة بجامعة المنطقة. هذا الأمر يعني أن ابناءنا سينهون الثانوية ثم الجامعة وهم لم يغادروا مناطقهم ولم يجربوا العيش بشكل مستقل يسهم في تكوين شخصياتهم، والأهم في هذا المقام، عدم تعرفهم على ثراء وطنهم بالتنوع وعدم تقبل والتعرف على زملاء من مناطق وقبائل وفئات شتى.
هذا أمر غير إيجابي، ولمثله نتمنى وضع سياسة عامة تتبناها وزارة التعليم التي تتدخل في تفاصيل العمل الأكاديمي بالجامعات لكنها تهمل التوجهات الثقافية العامة، بما فيها تعزيز التنوع والوحدة الوطنية وتقليص مصادر المناطقية التي قد تطغى في جامعاتنا.
كيف نستطيع حل هذه المعادلة وتجاوز ضغوطات المجتمع المحلي؟
ببساطة اقترح تحديد نسبة محددة من إعداد المقبولين من داخل المنطقة ومن خارجها.
على سبيل المثال اقترح أن تتاح نسبة 30 في المائة من المقاعد، على أقل تقدير للطلاب من خارج المنطقة. ليكون القبول بجامعاتنا على مرحلتين، الأولى لقبول أبناء المنطقة في نسبة 70 في المائة من المقاعد المتاحة والمرحلة الثانية لأبناء المناطق الأخرى. بل اقترح أن يكون هناك نسبة لا تقل عن خمسة في المائة للطلاب الأجانب سواء كانوا المقيمين أو القادمين من دول أخرى. طبعًا يستثنى من ذلك الجامعات النوعية كجامعات الملك فهد للبترول والملك سعود الصحية والملك عبدالله للعلوم التي يجب أن تتاح لجميع أبناء وبنات الوطن من كافة المناطق بشكل متوازن.
إن عدم قبول أو تقليص قبول الطلاب من خارج المنطقة والأجانب إلى حدوده الحالية بالجامعات السعودية يأتي من نظرة عاطفية وليست علمية، لأننا بمثل هذا التصرف نحرم أبناءنا وبناتنا من التعرف على عادات وعلاقات وثقافات مناطق أخرى وشعوب أخرى. نحن نحرم جامعاتنا من لعب دورها في تعزيز الوحدة الوطنية على المدى البعيد ومن أن يكون لها صوت عالمي وإقليمي، ونحرم بلادنا من وسيلة مثلى للتقارب مع الشعوب الأخرى. بل إننا نسير ضد المنطق حينما نحرم إنسانًا ربما تربى وعاش على ثرى هذه الأرض أو خدم والده بلادنا لفترة طويلة من دخول الجامعة السعودية وندفعه لمغادرة بلادنا حاملاً صورة سلبية.
أؤكد بأن أغلب جامعاتنا ما زالت في طور التأسيس وهي فرصة لوضع مثل هذا التنظيم الذي يعزز لدى أبنائنا قيمة التعرف على مختلف أجزاء بلاده وتكوين العلاقات المطلوب تنميتها مع أبناء المناطق الأخرى. طبعًا ونحن نطالب بذلك نحث الجامعات على توفير السكن الطلابي والخدمات المناسبة للطلاب القادمين من خارج المنطقة، كما كانت وما زالت تفعل بعض جامعاتنا الكبرى.
نريد جامعات تزرع قيم الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي وتقبل الآخر لدى أجيال المستقبل..