د. محمد عبدالله الخازم
أشرت في المقال السابق إلى أهمية التعامل مع الصحة كهم وطني يحتاج مشاركة جميع القطاعات الصحية الأخرى في زيادة حجم القطاع الصحي الحكومي، واقترحت زيادة نسبة مساهمة القطاعات الصحية الحكومية نسب مساهمتها لتصل إلى 30 أو 40% وبالتالي تخفيض مساهمة وزارة الصحة من 60 إلى 40%.
ولكي نستطيع الاستفادة من ذلك بالشكل المطلوب أقترح تأسيس هيئة مستقلة لتنظيم الخدمات الصحية، قد نسميها هيئة تنظيم الخدمات الصحية أو اي اسم مقترح آخر. وفكرتها تكمن في استقلاليتها عن جميع القطاعات الصحية ومنحها الصلاحيات التنظيمية الكافية.
البعض سيسأل؛ ألا يوجد المجلس الصحي السعودي، الذي كان يعرف بمجلس الخدمات الصحية، فكيف تختلف هذه الهيئة التي تقترحها عن المجلس القائم؟.
المجلس أخذ فرصته بعمر تجاوز عشر سنوات، ولم يكن فعالاً بما فيه الكفاية، والسبب الرئيس في ذلك هو تركيبته بكونه مجرد لجنة توافقية تمثل مختلف الجهات وتحكمها المجاملات، برئاسة معالي وزير الصحة. ووزارة الصحة رغم أنها قائد - أو هكذا يفترض- القطاع الصحي، إلا أن سلطتها معدومة على جهات تتبع وزارات الدفاع والحرس والتعليم والداخلية.
المجلس يدور في مناقشة قضايا هامشية وصغيرة لم يكن لها الأثر الكبير في مسيرة التطور الصحي. الهيئة التي أقترحها هي هيئة دائمة تابعة لمجلس الوزراء أو المجلس الاقتصادي مباشرة وبأعضاء أو موظفين لا يمثلون أو مستقلين عن أي قطاع صحي. مهمة الهيئة فرض الانظمة التي تجعل منظومة الخدمات الصحية متكاملة ومتناسقة. هناك أمثلة للهيئات التنظيمية في قطاعات أخرى ليس المجال لاستعراضها وآخرها هيئة توليد الوظائف الجديدة.
هناك أكثر من مجال يمكن أن يكون للهيئة دور فيه، وأطرح على سبيل المثال ثلاثة مجالات رئيسة. أولاً؛ التنسيق على مستوى الأنظمة الوظيفية؛ المشتريات، المعلومات الصحية، التخطيط الاستراتيجي، الجودة وغيرها. قد يبدأ ذلك على مستوى الوحدات عن طريق المشاركة في السياسات واللوائح والمعلومات، وغير ذلك. على أن الهدف هنا هو التكامل والتنسيق وتبادل المعلومات والاستفادة من الموارد المختلفة، وليس المركزية أو التحكم من قِبل جهة واحدة.
ثانياً؛ التنسيق على مستوى الكوادر البشرية وأهم عنصر هنا هو الأطباء. والمطلوب هنا هو كيف نجعل من عمل الطبيب ذا جدوى اقتصادية عالية، و مهنية، بحيث يستفاد منه عبر أكثر من قطاع ووفق الوظائف المطلوبة، سواء الخدمية أو التدريبية. بمعنى آخر، يصبح هناك نظام مرن، يجعل من الطبيب قيمة يستفاد منها وطنياً، بغض النظر عن مرجعيته المؤسسية. حالياً، رغم قلة الأطباء فإنه يضاف إلى ذلك هدر كبير في الاستفادة منهم بشكل أمثل، فنجد منهم صاحب التخصص النادر في مستشفى لا يستفيد بشكل مثالي من تخصصه، وهناك أطباء تخصصات نادرة متفرقون بين أكثر من مؤسسة بشكل يجعل الاستفادة منهم غير مثالية، وهناك جهات لا تقدر التخصص الطبي كالآخرين فيهرب منها المتميزون؛ ويتكدسون في مؤسسات محددة، وهكذا. كما نجد ضعف التنسيق بين المؤسسات في إخراج برامج تدريبية متقدمة.. إلخ
ثالثاً؛ التنسيق على مستوى الخدمة السريرية، لتكون مظلة تنظيمية تنظر للخدمة الصحية من منظور التكامل الرأسي على مستوى الرعاية من أساسية إلى متقدمة، وأفقياً على مستوى توزيع ونوعية العيادات والمراكز وتكاملها بدلاً من تكرارها بشكل يخل بأدائها. وهنا يجب تطوير التعامل مع الأمراض وتسهيل انتقال الملف الطبي من مستوى إلى آخر، ومن مؤسسة إلى أخرى. بمعنى آخر، التأكد من تقليص الفجوة والفراغ والتكرار في الفحوصات والاختبارات والخدمات التي يحدثها وجود جهات أشبه بجزر معزولة عن بعضها في تعاملها، كل مع الأخرى.
هناك أدوار ومهام أخرى؛ المهم هو منحها السلطة الكافية لإلزام القطاعات الصحية - اياً كانت- بتنفيذ تعليماتها وتطبيق ما تراه من أمور تنظيمية.
القراء الذين علقوا على المقال الماضي، وغيره من المقالات الصحية سأعود لنقاش مقترحاتكم لاحقاً..
يتبع