د. محمد عبدالله الخازم
كتبت في المقال السابق عن التصنيفات العالمية للجامعات - كمثال للتصنيفات التجارية العالمية - وكيف أنها تعاني في صدقيتها العلمية. وكما وعدت أكتب اليوم عن نموذج للتصنيفات التي تتبعها الدول، وتحديداً أختار دولة كندا وتنصيفها للجامعات. مع التأكيد أن الجهات الرسمية لا تقوم بعملية التصنيف وإنما تركز على الاعتماد الأكاديمي، والجامعات الكندية لديها مرجعياتها في هذا الشأن. تصنيف مكلين الذي بدأ قبل نحو ثلاثين عاماً يُعد الأشهر في مجتمع التعليم الجامعي الكندي، ومثل أغلب التصنيفات يُعتبر تجارياً، يصدر عن مجلة مكلين الكندية المعروفة، ولا يسلم من النقد الأكاديمي في بعض جوانبه. أستعرضه اليوم فقط للإيضاح أن هناك تصنيفات محلية لدى كثير من الدول هي أقرب للمنطقية من التصنيفات العالمية. وقبل شرح تفاصيل تصنيف مكلين مهم أن نسأل: ما الذي يجعل الجامعات الكندية تهتم بالتصنيفات وهي لا تحظى بالثقة العلمية، ولا تؤثر في مواردها وطبيعة الرقابة عليها والاهتمام بها؟
أبرز مميزات مكلين هو عدم وضع جميع الجامعات في بوتقة واحدة، وإنما تصنيفها ابتداءً إلى ثلاث فئات: فئة الجامعات التي تحوي كليات طب وبرامج دراسات عليا (دكتوراه وبحث) كثيرة؛ إذ إن كليات الطب لها خصوصية مختلفة عن بقية الكليات من ناحية الحجم وطبيعة العمل البحثي والدعم الحكومي المقدم لهذه الفئة من الجامعات. كجملة اعتراضية هنا، جامعة هارفارد نصف أعضاء هيئتها التدريسية ينتمون لكليات الطب، ورغم ذلك لا تأخذ التصنيفات العالمية ذلك في الحسبان عند مقارنتها بجامعات أخرى. الفئة الثانية هي فئة الجامعات التي تركز على منح درجة البكالوريوس (جامعات تعليمية وليست بحثية بالدرجة الأولى). الفئة الثالثة هي فئة الجامعات الشاملة التي تحوي برامج بكالوريوس ودراسات عليا، لكن بحجم أقل تركيزاً مقارنة بجامعات الفئة الأولى. لا يوجد تصنيف عالمي يضع الجامعات في فئات كهذه، وهذه ميزة تحسب للتصنيف الكندي من ناحية عدم الخلط بين الفئات حرصاً على الموضوعية وعدم ظلم فئة على حساب الأخرى.
يستخدم التصنيف أربعة عشر معياراً لقياس كفاءة أداء الجامعة ضمن خمسة مدخلات كالآتي:
1. الطلاب ووزنه 28 % من الدرجة النهائية للتصنيف، ويحوي منح الجامعة للطلاب على مدى أربع سنوات ودرجته 10 %، ونسبة الطلاب للأساتذة العاملين بدوام كامل ودرجته 8 %، ورضا الطلاب ودرجته 10 %، وفيه يتم استفتاء آلاف الطلاب للتعرف على رضاهم عن ما تقدمه الجامعة في جوانب مختلفة، كالتدريس والمناهج وتعامل الأساتذة والسكن والأنشطة وحياة الجامعة.. إلخ.
2. أعضاء هيئة التدريس ووزنه 24 % من الدرجة النهائية، ويحوي منح الأساتذة خلال أربع سنوات ودرجته 7 %، وتلك التي يحصلون عليها من الجهات العلمية البحثية المعروفة بكندا وفق تخصصي العلوم الإنسانية والاجتماعية و/ أو العلوم والطب ودرجته 6 %، وحجم الاقتباسات العلمية الذي يمثل حجم الأبحاث المنشورة ومعامل تأثيرها الاقتباسي ودرجته 5 %.
3. الموارد الأكاديمية ووزنه 20 % من الدرجة النهائية، ويشمل حجم ما يُصرف على البحث ودرجته 6 %، وحجم الميزانية التشغيلية للجامعة ودرجته 5 %، ومصروفات مكتبات الجامعة ودرجته 5 %، وحجم محتويات مكتبات الجامعة ووزنه 4 %.
4. دعم الطلاب ووزنه 13 % من الدرجة النهائية، ويشمل ما يصرف على المنح الدراسية من الجامعة لطلابها ودرجته 6.5 %، وما يصرف على الخدمات الطلابية المساندة ودرجته 6.5 %.
5. سمعة الجامعة وانطباع المستفيدين وذوي العلاقة عنها ووزنه 15 % من الدرجة النهائية، ويتم الحصول عليه من خلال استطلاعات الرأي للأساتذة والخريجين وجهات التوظيف وأساتذة وطلاب المرحلة الثانوية والجهات المانحة وغيرهم من ذوي العلاقة.
هذا تصنيف يتعامل مع جامعات ضمن بيئة اجتماعية وأكاديمية واقتصادية وسياسية واحدة، أو متقاربة.
تُرى، هل نرى مثله - ولو كان تجارياً - للجامعات السعودية؟ الأهم: هل نستفيد من التصنيفات المحلية - إذا كان الترتيب والتصنيف ضرورة - لكل دولة في اختيارنا للجامعات الأفضل بدلاً من التصنيفات العالمية؟