علي الخزيم
الأولى هي المعلمة الفاضلة مزنة بنت عمير بن علي العمير البكري رحمها الله (1322- 1415هـ). اشتهرت باسم مزنة العمير، نشأت في بيت صغير بمحافظة البكيرية بالقصيم، حيث تعلّمت بهذا البيت مبادئ القراءة والكتابة والأصول الثلاثة وغيرها مما يلزم المبتدئين من طلبة العلم، وفي البيت ذاته تحوّلت لمعلمة؛ فكان بمثابة المدرسة بكل ما تحويه الكلمة من المعاني، تَحْضُر نساء وبنات البلدة ليتعلّمن القراءة والكتابة والقرآن الكريم عند هذه السيدة المعلمة (مزنة العمير) التي صرفت جهدها ووقتها لتعليم نساء بلدها في وقت عزّت فيه لقمة العيش، إلاّ أنها تحاملت على كل ذلك وفضّلت الجلوس لتعليم النساء والصبايا، ثم عند افتتاح مدارس للبنات استمرت بالتعليم بالمدارس النظامية حتى كبر سنها وطلبت الإعفاء من الاستمرار بالتعليم، وتوفيت - رحمها الله تعالى - في 26 / 3 / 1415هـ.
السيدة الفاضلة الثانية هي نورة بنت محمد الدهامي (أم السلامة) بمحافظة البدائع بالقصيم أيضاً؛ وهي ضمن مجموعة من أخواتها السيدات الفاضلات اللاتي كان لهن فضل كبير في رفع مستوى تعليم الفتاة قبل افتتاح المدارس الابتدائية للبنات، مثل فاطمة بنت عبد الله الوهيبي، ومنيرة بنت عبد الله الربع السلمي - أم الوهابا، وموضي محمد السحيباني - أم الهذلول، وغيرهن رحمهن الله وأمد في عمر من بقي منهن على قيد الحياة، فهن وأمثالهن في كل هجرة وقرية ومحافظة من بلادي ممن ذكرن في الكتب والمجلات وتحدث عنهن الإعلام أو لم يرد ذكرهن؛ مجاهدات جهاد العلم الحقيقي، ولم يكن هدفهن المال أو الشهرة أو الجاه، بدليل أنهن رغم ظروف بعضهن المادية آنذاك لا يأخذن من الدارسات مقابل تعبهن وجهدهن، بل ربما أن منهن من تدفع من مالها البسيط مساعدات للفتيات المحتاجات، قلت إنهن نساء من أعظم نساء العالم، وأحسبهن عند الله ممن ثقلت موازينهن بعملهن الصالح.
وانحصر الحديث هنا على سيّدات تلك البقعة من بلادنا لأن خبراً صحفياً لفت الانتباه وأثار الاهتمام بمسألة تكريم هؤلاء السيدات، وكان الحديث (من هناك) مع الشاعر إبراهيم بن صالح الخزيم الذي له الفضل بتنويري بتاريخ تلك الثُلّة من النساء الرائعات، على أنها كانت أسماء لإيراد الأمثلة لا الحصر، ولإبراز القدوة الحسنة وتذكير الأجيال بما كانت عليه الجدّات من التضحية والوعي الراقي لمصلحة المجتمع (ليتخذوهن نبراساً)، والدعوة لتأكيد الوفاء والعرفان لهن وإشهار أسمائهن كرائدات للتعليم النسوي؛ إمّا بتسمية مدارس بنات ومُجمّعات تعليمية بأسمائهن أو تسمية شوارع تقع عليها تلك المدارس بالأسماء ذاتها بالتنسيق بين البلديات والتعليم، فمناسبات التكريم و(أمسيات الوفاء الخجولة) التي تُقام للرواد بكل أطيافهم لا أراها كافية بحقهم الكبير علينا.
والخبر المشار إليه أعلاه يتحدث عن بيع ثوب ممثلة (كانت) تُجَسّد دور ساحرة في فيلم سينمائي بمبلغ يماثل قيمة منزل فاخر في أرقي أحياء لندن أو باريس، أقول: وماذا عن (سجادة مزنة ومسبحة نورة) وهي مقارنة جائرة بحقهما.