علي الخزيم
هم أحبابنا من أبناء وإخوان وأقارب، هم أبناء الوطن، هم أنفس بشرية مثلنا نحب لهم ما نحب ويؤذينا ما يؤذيهم، لكن يقلقنا بقاء الحالات الصعبة بيننا بكامل حريتهم دون متابعة بعيون نابهة مفتوحة تعي مهمتها تجاههم جيداً، متابعة مهنية تدرك مساحة تفكيرهم وتفهم منطلقات نظرتهم للمجتمع بحسب إملاءات معاناتهم النفسية العقلية وما يمكن أن ينتج عنها من إيحاءات لا منطقية قد تقودهم لردود أفعال يؤذون بها أنفسهم والغير، هذا المضمون سبق ان قلته في حديث سابق عن معاناة هذه الفئة ومعاناة ذويهم والمحيطين بهم، على الأقل فيما يتعلق بالشفقة عليهم والخوف من انتكاسات حالاتهم.
وأجدني مدفوعاً للعودة للموضوع كلما شاهدت أو قرأت عن حالات هياج أحد هؤلاء المرضى وارتكابهم جرائم بحق أسرهم والآخرين تصل إلى حد قتل اقرب الأقارب من الوالدين والأزواج والأبناء، وكنت قد قلت انهم ببقائهم على هذه الحال بلا (إجراءات رسمية) تخدمهم وتنظم حياتهم وتحميهم من أذى أنفسهم وتمنع أذاهم عن الآخرين؛ فإنهم يُشكّلون خطراً من المفترض اتخاذ التدابير بشأنه كأي خطر آخر يمكن أن يطال الأسرة والمجتمع، والتهاون في هذه الأمور يُسجَّل كناحية قصور من الأجهزة المعنية بشؤونهم، لا سيما أن أعدادهم ليست بالقليلة وينتشرون في كل مساحة البلاد، ما يعني أن خطرهم شامل وظاهر للعيان وان لا مبرر للتغاضي عنهم وتجاهل حقوقهم وحقوق الأسر التي تعاني من مشكلاتهم وأعبائهم، وحق المجتمع فهم أفراد منه، ولهم ولمجتمعهم الحق بلفت النظر إلى أوضاعهم وحمايتهم ورعايتهم والحماية منهم، وأكرر القول بأن من حقهم على المجتمع ومؤسساته (الرسمية والأهلية) أن لا يتركوهم نهباً للأوهام والتخيلات والصراعات النفسية التي تتزايد مع الزمن وعدم الرعاية، والتعود على بقائهم بيننا دون اكتراث بأوضاعهم ليصلوا الى مراحل اليأس والعدوانية إلى أن يقع منهم الأذى، ثم نتلاوم بشأنهم ونتقاذف المسئوليات، فَلِمَ لا يكون القرار صارماً جاداً بلا محاباة ولا مجاملة لأحد، وألّا يكون المبرر في مثل هذه الحالات التبليغ من عدمه؟ فالمسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة والحي إلى الجهات المعنية.
ولعل من المناسب اعادة التذكير باقتراحي للإدارة المختصة بوزارة الصحة للتعاون مع الإدارة ذات العلاقة بالأمن العام وحقوق الإنسان (أو غيرها) لإعداد أفكار وخطة عمل مدروسة لمعالجة أوضاع هؤلاء المواطنين والتعاون مع ذويهم في هذا الشأن، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الأسر قد تجهل أسلوب التواصل مع جهات الاختصاص، فإني لا زلت أجدد الرجاء والدعوة الموجهتين للجهات المعنية لدراسة هذه الحالات وسن النظم والقوانين بشأنها قبل تكاثرها ومنع المزيد من المخاطر والوقائع المؤلمة، ولن يستشعر المرء و(المسئول) هذه المصائب إلا بمعايشتها عن قرب، وان تأجيل مثل هذه القرارات إلى أن يحدث ما يجبرنا على اتخاذها (وها هو يحدث) أمر هو الآخر يدعو للقلق، وكلما غابت المبادرات والخطط الاستباقية لأي امر يحتمل خطره فهذا بالتأكيد يعني غياب ثقافة ومفهوم خطط درء المخاطر والكوارث.