علي الخزيم
كان الظن السائد عند كثير من الناس أن مدمني المخدرات ومروجيها يتمتعون بنسبة عالية من الذكاء عطفاً على ما نسمع ونقرأ من قصص وأخبار تحركاتهم الدقيقة؛ أو على الأقل بأنهم ليسوا بالأغبياء، حتى محترف السرقات يملك نسبة من الذكاء، غير أن درجة الذكاء (عند كل أولئك) تُعَد في علم النفس - كما فهمت من خلال قراءات عنها ـ نوعاً من الذكاء المنحرف عن جادة الصواب، أو بالأصح ضرب من النوازع الشريرة، وإملاءات النفس الأمّارة بالسوء، وبالتالي فهو ذكاء لا يدعو للإعجاب به أو احتذائه والاقتداء بصاحبه، ولا يمكن تصنيف مُحترف تعاطي وترويج المخدرات والمسكرات كإنسان نابغ نبيه، بل تُصَنّفه الدوائر والجهات المختصة بأنه معتل عقلياً متوتر نفسياً وذو شخصية مهزوزة مرتبكة شَكّاكة واهمة، ويحاول إحاطة نفسه ـ من نظرة المجتمع ونبذه له وخوفه المستمر من البطش به بأي لحظة ـ بهذه التصرفات من التذاكي والحيل التي يكتسبها مع الوقت والخبرة من البيئة المحيطة به من أفراد وجماعات مماثلة لتكوينه العقلي والنفسي ويمارسون ذات الموبقات ويعيشون النمط الحياتي نفسه بقلق وشحن نفسي يقودهم في بعض الحالات إلى ارتكاب جرائم يؤذون بها انفسهم والمحيطين بهم أو الغير، وحين يقعون في وحل الجريمة ينتقلون إلى واقع آخر فيقنعون أنفسهم بأنهم أمام خيارين فإما المزيد من الجريمة مع الإدمان وإما الاستسلام لضوابط المجتمع، وهذه الأخيرة تحتاج في مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلى شجاعة وافرة وعزيمة صادقة اذا ما وُفّق المدمن إلى مَن يرعاه ويهديه إلى سبل الرشاد بحكمة وطريقة إنسانية مُتّئِدة، إذ إن المدمن الراغب بالاعتدال والطهارة من الأرجاس يعلم أنه (في الغالب) سيصطدم بتفكير مجتمعي لا يرحم من تاب ويُبْقِي وصمة العيب والعار تلاحقه حتى مماته بل ربما نقلها المجتمع لأفراد أسرته، مع أننا لا زلنا نتعلم من الشرع الحنيف أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولا تزر وازرة وزر أخرى، غير أن فئات اجتماعية تُصر على إلصاق كل عيب بصاحبه حتى وإن تطهّر وتخلّص منه، وهم مع ذلك ينسون كل فضيلة له مهما اجتهد في إظهارها كقدوة وليس رياءً، والله أعلم بما تخفي الصدور ولسنا موكلين بمحاكمة ومحاسبة الآخرين على ما لا يعنينا من سلوكياتهم.
وكان مجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض قد أكد (إعلاميا) وجود أشخاص يحاولون الاحتيال على اللجان النفسية الجنائية بادعاء الإصابة بمرض نفسي للإفلات من العقوبة، مؤكداً أن مدمني المخدرات مسؤولين جنائياً في الغالب، ما لم تكن هناك تفاصيل أخرى، ومن غرائب الحيل أن معاقاً بشلل نصفي يتنقل بكرسي متحرك؛ قبض عليه بالرياض مؤخراً متلبساً بقضايا ابتزاز وبحوزته مخدر وسلاح وعصا كهربائية صاعقة وغيرها، فماذا بقي؟! ومن الملفت أن كثيراً من المدمنين حين تورطهم ووقوعهم بجريمة خطرة يَعْمَد (للاستهبال) وادعاء أنه نبي أو أنه المهدي المنتظر؛ وهذا كثير ولا أعلم سر هذا المهدي عندهم (فلنتعاون جادين لمحاربة الخطر الداهم).