م. خالد إبراهيم الحجي
إن النزاهة الإعلامية تنطوي على الأخذ في الاعتبار الأفكار المختلفة والاهتمامات والآراء المتعارضة، وكذلك تأخذ في الاعتبار الأفراد المختلفين في النقاش والحوار أو الذين يقفون على طرفي نقيض في القضية الواحدة، والنزاهة الإعلامية تقتضي أن يقف الجميع على قدم المساواة مثل بعضهم البعض في المعاملة الإعلامية المتساوية، مع عدم التمييز لأي طرف على باقي الأطراف الأخرى، والنزاهة الإعلامية يجب تمييزها عن التوازن الإعلامي، بمعنى أن يوزع وقت ومساحة المناقشة بالتساوي على أصحاب الآراء المتعارضة خلال إدارة الحوار بحيادية، لأن استبعاد المواقف الشخصية للإعلاميين جزء لا يتجزأ من النزاهة الإعلامية.
وفي عصرنا الحاضر أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي أكثر شعبية وانتشاراً، وبواسطتها تنتقل الأخبار وتصل إلى الجمهور فوراً عن طريق إعادة التغريد بين الزملاء والأصدقاء والأقارب أسرع من وصولها إلى الجمهور مباشرة من الصحفيين الإعلاميين، وكثير من الجمهور العقلاني المرموق عندهم تحفظ على صحة الأخبار المتداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويرون أنها في حاجة دائمة إلى التدقيق والتوثيق مما دفع الغالبية من متابعي الأخبار إلى اللجوء إلى محركات البحث على الإنترنت للوصول مباشرة إلى مصادر الأخبار المتداولة، لذا قامت شبكة فيس بوك بتخصيص صفحة خاصة على موقعها تحت اسم (أخبار فيس بوك الفورية) لاستضافة المقالات الصحفية، والأحداث الاجتماعية والدولية، والأخبار العامة من الناشرين والمؤسسات الصحفية والإعلامية على هذه الصفحة المستحدثة، وقد قامت تسع مؤسسات إعلامية رئيسة في أمريكا بإضافة أخبارها المختلفة والمتنوعة على صفحة الاستضافة، وهذا الاتجاه من قِبل فيس بوك حوّلها إلى ناشرٍ مخلصٍ فضلاً عن دورها الأصلي كشبكة للتواصل الاجتماعي، فنشر المقالات والأخبار المختلفة على صفحة فيس بوك الفورية يعني بقاءها منشورهً على الصفحة، والاستضافة بشكل مباشر على هذه الصفحة المستحدثة مؤشراً على تنامي اعتماد كثير من مؤسسات الأخبار المختلفة على شبكات التواصل الاجتماعي كمنصةٍ لنشر الأخبار وتداولها.
وشبكات التواصل الاجتماعي تمنح مستخدميها القدرة على التعرف على المواضيع المتنوعة والأخبار المختلفة مع المستخدمين الآخرين على شبكات التواصل الاجتماعي، الذين يحملون آراءً وقيماً ومعتقداتٍ ذات طابع مشتركٍ حسب ميول المتصفحين واتجاهاتهم المشتركة على غرار بعضهم البعض.. والإعلام من الأدوات الفعّالة التي تحمل وزناً سياسياً، حيث إنه يستطيع أن يؤثر على آراء الجمهور وسلوكه ويُشكّل الاتجاه العام في المجتمع.. وشبكات التواصل الاجتماعي وسائل قوية جداً ذات تأثير جماهيري واسع النطاق، ومن الأهمية بمكان أن نتعلم كيفية استخدامها وتوظيفها توظيفاً بناءً ملائماً يحقق التوازن الفكري في المجتمع بحيث لا تطغى جوانب فكرية ثانوية على جوانب فكرية أخرى جوهرية، أكثر أهمية في البناء الهادف للاتجاه العام في المجتمع، لأنه في وقتنا الحاضر أصبح كل فردٍ يمكن أن يكون ناشراً يغرد بجزءٍ من معرفته وعلمه وتجربته وخبرته في موسوعة الأخبار والمعلومات التي تُسمى الإنترنت، وكثير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي كرّس للتغريد كثيراً من وقته وجهده وتفانى في ممارسته، فأصبح مدوناً مشهوراً يتبعه الآلاف، بل الملايين من الناس على شبكات التواصل الاجتماعي، والبعض الآخر من المدونين يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لأنها وسيلة من وسائل الدعاية التي تؤثر على آراء الجمهور، والرسائل الدعائية بمعناها الأصلي تُستخدم في العادة بشكلٍ إيجابيٍّ في عدة مجالات مثل: التحذير بأضرار التدخين والمخدرات، والتوعية بالصحة العامة وحماية البيئة وغير ذلك من أشكال التوعية المجتمعية، غير أن البعض من المدونين يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي كوسائل دعائية لنشر الآراء والأخبار المنحازة، التي تخدم مواقفهم الشخصية من خلال اختيار بعض الحقائق والأخبار المنحازة أو المجتزأه، أو عن طريق الإغفال المتعمد لبعض الأخبار والحقائق الأخرى التي تم اجتزاؤها من سياقاتها، بهدف الوصول إلى توليفة أو تركيبة معينة تخدم الانحيازية المقصودة، وارتباط الأخبار بأمثلة التلاعب المتعمد والانحياز الواضح يكشفها ويعرّيها من مصداقيتها، وتعتبر شبكة الفيس بوك الأكثر استخداماً في العالم، والتويتر واليوتيوب الأكثر استخداماً في منطقة الخليج العربي، ويحتل المجتمع السعودي المركز الأول في استخداماتهما، وعلى وجه الخصوص الرسائل المصورة التي تنتقل عبر الأجهزة الإلكترونية المحمولة مثل الآي باد والهاتف النقالة، والتي أغلبها يكون على شكل مقاطع فيديو مدتها دقيقة أو دقيقتين، وفي حالات نادرة تصل إلى ست دقائق، تُرسل بشكل منهجي للإقناع الموجه الذي يؤثر على الآراء والمواقف والأفعال وتحمل في بعض الأحيان رسائل دعائية مغرضة، تدغدغ المشاعر والعواطف للشرائح المختلفة من الجمهور بدلاً من العرض العقلاني للأخبار.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن: هل الجمهور يُشبع نهمه بالأخبار للترفيه من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، أم يشبع نهمه بالأخبار كي يدعم آراءً ومعتقداتٍ موجودة لديه سلفاً؟.. والجواب على هذا السؤال يشمل كليهما: الترفيه ودعم الآراء والمعتقدات على حد سواء، فكل منهما يسهم في النمو المتضاعف في اعتماد مؤسسات الأخبار على شبكات التواصل الاجتماعي كمنصات لنشر وتوزيع الأخبار، حيث أدرك الإعلاميون بما لا يدع مجالاً للشك بأن الإعلام الحديث يجب أن يتصف بالشفافية، والحيادية الإعلامية والموضوعية في تناول الأحداث المتنوعة، والقضايا المختلفة والأخبار العامة، لأن مسؤولية تقييم جودة الأخبار ودقتها، أو تمييز صحتها ومصداقيتها عن الأخبار الكاذبة أو المغرضة أصبحت مشتركة بين وكالات الأخبار وبين المتلقين أنفسهم، لأن المتلقي أصبح ناقداً موضوعياً، ومحللاً ماهراً ويلعب دوراً كبيراً في نقل الأخبار، بل أصبح شريكاً في صناعتها، بما أُتيح له من شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، ومحركات البحث على الإنترنت.
والخلاصة.. إن شبكات التواصل الاجتماعي لها تطبيقات غير محدودة، فردية وجماعية ومؤسسية، ويجب ألّا تستخدم بشكل منفصل، بل يجب دمجها في الإستراتيجية الشاملة لمنظومة التواصل والاتصالات وتبادل المعلومات.