حسن اليمني
مرحلة انتقالية بوجود بشار الأسد مقولة تسوقها السياسة الروسية لتبرير اصطفافها مع النظام السوري في مذبحة الشعب التوّاق للحرية والتخلص من الديكتاتورية، الأمر الذي لم يلق قبولا خاصة من السعودية وتركيا، فهل نسير باتجاه مزيد من التأزيم والتعقيد أم نرى تفهما روسيا لحق الشعب السوري في تقرير مصيره؟
أغلب الظن أن الروس يتذكرون حال الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، وهم يدركون أن الصراع البارد والمتخفي مع الولايات المتحدة هو أخطر من تلك الحرب الباردة المعلنة بين القطبين في القرن الماضي، وهم أيضا يعلمون جيدا ان المنطقة عربية، وبقيت كذلك رغم ما تعرضت له من محن أشد وأقسى على مر التاريخ، ويعلمون أيضا، وأيضا أن المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا قطبان يجمعان العروبة والإسلام بما يوسع مساحة المواجهة مع روسيا، ليس عسكريا فحسب بل واقتصاديا وتجاريا وسياسيا، ثم وبهذا كله تعلم روسيا أن المستفيد من كل هذا هم خصومها في صراع الاستحواذ العالمي وبالذات الولايات المتحدة، إذن هي تدرك تماما صعوبة موقفها وهشاشة تبريراتها وحتمية هزيمتها في نهاية الأمر.
إن من المدعاة للدهشة والعجب أن نرى تنبؤات مؤسسة (ستراتفور) الأمريكية تتجه للتحقق بشكل عجيب مذهل، إذ لا شك مطلقا في أن (أفغنة) روسيا لسوريا ستنتهي بنفس تلك النتيجة التي انتهى بها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وكأن الرئيس فلاديمير بوتين يعيد التاريخ ذاته، فالخصوم هم نفس الخصوم لكن بدوافع أقوى وأعمق هذه المرة، بل وإصرار على النصر مهما غلا الثمن وارتفعت التضحيات، فالمملكة العربية السعودية لن تتوانى أو تتأخر عن أداء دورها العربي حتى وإن اختفت بغداد ودمشق والقاهرة، كما أن أحد أهم أقطاب العالم الإسلامي المتمثل في جمهورية تركيا يرى أن القضية السورية هي قضيته وتضرب في خاصرته ولن يتوانى عن تقديم كل غال ونفيس من أجل حماية أمنه واستقراره، وهذا وذاك لا يجعل لروسيا مفرا من المصير الذي تنبأت به مؤسسة (ستراتفور) للعشر سنوات الراهنة، والذي يفيد بتحلل جمهورية روسيا الاتحادية إلى ولايات مستقلة عن المركز وانطفاء بريق موسكو.
في الوقت نفسه نرى يقظة وحزما سعوديا للتصدي لكل محاولات التدخل في الامن القومي العربي رغم وجود فراغ عربي واضح بل ووجود محبطات عربية انتهازية وغير مهتمة بما يتجاوز حدودها الضيقة لكنه قدر المملكة العربية السعودية في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة، يدعمه ويسنده دور إقليمي قوي لتركيا ودول اسلامية وعربية أخرى.
إن التدخل الروسي في سوريا محكوم عليه بالفشل الذريع ولن تبدل الأرض العربية عروبتها، ولقد كان الأمل والرجاء في تفهم روسي لحقيقة واقع المنطقة وترهات الغطرسة الإيرانية يوم التقى سمو ولي ولي العهد مع بوتين في موسكو شهر يونيو من العام الجاري، تلك الزيارة التي لاقت ترحيبا كبيرا من قبل المهتمين إلا أن ما تبعه من موقف روسي غير متوقع أحبط التفاؤل وأعاد إلى الأذهان صورة الدب الأحمر الدموي الذي رسمته مخابرات (C I A) الأمريكية للعملاق الروسي الذي كاد أن يبدد هذه الصورة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي إلا أن هناك في روسيا ربما من يعتقد أن أمريكا انتصرت في افغانستان والعراق أو أنها هُزمت وحان لروسيا الوقت لتملأ الفراغات، كلا، أمريكا لم تنهزم وان لم تنتصر لكنها أدركت أن أسهل طريق للتخلص من منافسة موسكو هو توريطها مرة أخرى في قاصمة تنهك اقتصادها وتنهي حضورها دوليا وإلى الأبد، يخطئ الرئيس فلاديمير بوتين إن ظن سوريا قرم أوكراني آخر، إذا كانت أوروبا غير مستعدة للحرب من أجل أوكرانيا فالعرب والمسلمون لن يتأخروا أبدا في نصرة سوريا.