رقية الهويريني
تُعَد مهنة النجارة أساس الصناعات اليدوية، فالنجار هو الفنان الذي يجمع بين رسوم المصمم وذوق المستهلك ويحولهما إلى لوحة مزخرفة، ويشكل من الخشب الأصم تحفة جميلة. وقد كانت هذه الصنعة وراثية يورثها عادة الآباء لأبنائهم من جيل لجيل. وفي بعض الدول يولون هذه المهنة جل اهتمامهم، ومهما وصل مستوى التعليم عند الشخص إلا أنه يملك حرفة مساندة.
وفي مدينة الرياض تشكِّل محلات النجارة في المنطقة الصناعية وغيرها من الأحياء خطورة أمنية واجتماعية واقتصادية وبيئية، بل وصحية، حيث تجتمع بها عمالة من جميع الأجناس، يعملون في ورش صغيرة تقع على شوارع ضيقة ولا تتوفر فيها المواصفات الصحية، وحينما تطلب من أحدهم تصنيع نموذج معين لا يتوفر بالسوق؛ تراه يتململ ويلجأ إلى التعجيز برفع الأسعار بطريقة غير منطقية ويتعلل بانشغاله بعمل يمتد لعدة أشهر! والعجيب انتشار مخازن الأخشاب على جانبي طريق المدينة المنورة عدا عن مستودعات الأخشاب المستوردة، مما يثير استغراباً بانتشارها وخوفاً من احتراقها.
والغريب أنّ كثيراً من المستهلكين يتجهون لمحلات المفروشات لشراء غرف النوم والمجالس وطاولات الأكل والكراسي بأنواعها، كما أنّ محلات النجارة والموبيليا تعتمد على استيراد الخشب والمشغولات من الصين وتركيا ومصر لاسيما الدمياطي الشهير وتعرضها فحسب.
وطالما كان الوضع على هذا الحال؛ فليس من المجدي، استمرار البلديات بفسح المزيد من محلات النجارة إضافة على الموجود حالياً، وما يتبعها من استقدام عمالة بحجة العمل بهذه المهنة، لاسيما أن شبابنا لا يتجهون لهذا النوع من المهن مطلقاً، خصوصاً أنها غير آمنة صحياً لما يصاحبها من أمراض صدرية كالربو وحساسية الصدر بسبب نشارة الخشب المتطايرة والدهانات الكيميائية. ولأنّ العمالة لجأت للآلة مؤخراً في تسهيل أعمالها، فهي تستهلك معدلات عالية من الطاقة الكهربائية نظراً لوجود الآلاف من ورش صناعة الأثاث في تلك المنطقة وغيرها.
ولو تم الاكتفاء باستيراد الأثاث، وسعت وزارتا التجارة والبلديات لإغلاق بعض الورش التي تشكل خطورة بما يختفي وراءها من أشكال التستر بأبشع صوره، مما يعني أن هذا النوع من التجارة لا يشكل إضافة اقتصادية أو تنموية، علاوة على استقدام عمالة رديئة وغير مدربة، ولا تحل مشكلة البطالة عند الشباب.