رقية الهويريني
أصبح من العسير أن تقنع الأسرة ابنتها التي تستعد للزواج بأن مَنْ ستتزوجه سيكون سنداً وملاذاً آمناً وشريكاً مسؤولاً، وأمست بعض الأسر تضع يدها على قلبها عن ماهية هذا الرجل القادم، وعن مستوى أخلاقه وسلوكه، برغم كثرة السؤال عنه والاستفسار والتقصي!
أقول ذلك بعد أن قرأت عن إقدام زوج، فقدَ كل معاني الرجولة ومدلولات الإنسانية، على قتل زوجته التي تعمل معلمة في مدرسة تحفيظ القرآن في مدينة ضباء، ولديها منه أطفال! ووردت الأخبار أنه عاطل عن العمل، وقتلها بعد الفجر، إثر مشادة بينهما.
ولا شك أن القتل سبقه عنف، واستعراض للرجولة الوهمية. وكثير من البيوت المحطمة آيلة للسقوط، ومعظم السيدات من الصابرات يعانين من هذه الشاكلة من الذكور الذين يسمون أولياء الأمور والقوامين والآمرين والناهين! وأعلم أن كثيراً من هذا النوع سيحتج على كلامي؛ لأنه بزعمهم يعارض الشريعة!
والحق أن الله - عز وجل - خيَّر الأزواج النافرين من زوجاتهم: إما أمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. وليس أجمل من المعروف ولا أعدل من الإحسان. ولكن الثقافة الاجتماعية التي يتربى عليها الذكور تجعلهم يتوقعون أن الزوجة ما هي إلا سلعة اشتراها بماله، وتملكها بمهر! فهو يفعل بها ما يشاء، إما طرداً أو حبساً أو ضرباً أو تعنيفاً، وحتى قتلاً!
ثم يخرج علينا ممن يفرضون وصايتهم، ويسوقون بضاعتهم؛ ليصبّوا في مسامع المغفلين أنها (ملكة)؛ فلا تقود سيارتها، ولا تخرج وحدها، ولا تقضي مستلزماتها إلا بإذن ولي أمرها! حتى لو كان ذلك الولي ابنها ذا عشر سنوات!! والأعجب أن تلك الملكة الوهمية تُقتل بدم بارد بعد أن تتعرض لأشد وأقسى أنواع العنف! والأنكى من ذلك أنه لا يُقتل بها إلا حينما تكون لديه سوابق وجرائم، وحين يحكم القاضي عليه بالقتل يكون تعزيراً وليس حداً دون أن يعود لآية عظيمة في القرآن، هي: {.. أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ..}، وكأن تلك المرأة ليست نفساً طالما كانت ملكة!
لا شك أن الغيظ يتملكني حينما أقرأ وأسمع ما يعيث به بعض الذكور فساداً في أسرهم، وما يجمِّل لهم بعض الوعاظ أفعالهم استناداً إلى نقص عقل المرأة وسوء تدبيرها، وأن عليهم الشدة والحزم والغلظة والقسوة معها؛ لأنها بزعمهم تصلح حالها، وكأن أمرها كله فاسد! والواقع أن معظم الجرائم تحدث بسبب الشحن النفسي للرجل ضد المرأة بما فيها النصائح الملغمة بنهج العنف، والوصايا المغلفة بذريعة الإصلاح، أو حتى النكت المصبوغة بالسخرية منها، وأنها مصدر البؤس والشقاء!
عودوا بشراً، وأعيدوا للمرأة كرامتها.