سمر المقرن
منذ أن وعيت على هذه الدنيا وأنا أسمع بعض أئمة المساجد والخطباء في الخليج والدول العربية، وهم يبتهلون إلى الله ويرددون الأدعية ضد اليهود والكفار بأن يشتت الله شملهم، ويخرب ديارهم، وييتم أطفالهم، ويحصد نسلهم. وابتهالات طويلة ليس لها أول من آخر تلاقي كثيرًا من الحماس في ترديد كلمة (آمين)، لكن الأمر الذي يستحق التأمل هو أنه ولا واحدة من هذه الأدعية قد أصابتهم، بل إن ما حدث هو العكس تمامًا، فمن تشرد هم العرب والمسلمون بداية من فلسطين إلى سوريا اليوم، والعراق واليمن والصومال والسودان وليبيا، وانتشر الخراب في العواصم العربية من احتلال وحروب من الروس أو الفرس، ما معناه أن كل هذه الابتهالات والأدعية قد عادت لنا وتم تطبيقها حرفيًا في عالمنا العربي، مع ذلك وبرغم كل هذا الدمار ما زالت بعض القلوب محتقنة ضد الغرب، ولعل ردود الأفعال حول ما حدث مؤخرًا في باريس دليل على احتقان القلوب العربية ولغة الشماتة بمصيبة إنسانية هي أكبر إشارة على أنّ بعض العرب وُلدوا ورضعوا من أثداء أمهاتهم الكره والحقد بل والحسد أيضًا، مع أنّ هذا المصاب وقبله مصاب أبراج مانهاتن كلها المتضرر فيها بشر وليسوا حكومات، والإنسان العربي - ولا أعمِّم - لا يستطيع التمييز بين الشعب والحكومة، لأنّ طبقات الكره المتراكمة داخل فؤاده لا تجعله يستطيع التمييز، مع هذا وذاك، تعود لنا المصائب وشعوبنا تتشتت وتأكلها نيران الحروب وقتل الناس ببعضهم، ولا أرى اليوم دولة عربية ناجية من هذه النيران التي تلتهمنا، وبحكم أن الإنسان العربي غارق في نظرية المؤامرة، فهو يرى أن كل المصائب قد أتتنا من الغرب، وإن كان هذا صحيحًا - ولا أشكك فيه - لكن السؤال لماذا نحن بيئة خصبة لهذه المصائب، ولماذا نأكل الطُعم بكل سهولة؟ هم في عالم التفكير بالمستقبل والتطور يشاهدون خيباتنا وقتالنا لبعضنا البعض وهم يضحكون، ونحن بكل بساطة عقولنا وقلوبنا تربت على وجهة واحدة هي أنك كلما كرهت الغرب فهذا دليل على أنك عروبي 100 %، وكلما أردت أن تزرع التسامح ليس لأجل الغرب الذي لا يدري عنا لأننا آخر اهتماماته، بل لأجل أنفسنا، ولأجل أن نتحرر من الطاقة السلبية التي يستمتع بها بعض العرب في وقت لا يريد أن يصارح فيه نفسه، بأنّ كل العلل منه ومن عقليته ومن نهج حياته، ولو علم العربي أن هناك أشخاصاً كثر من شعوب الغرب لا يعرفون إلاّ القليل عن العرب، وأن العرب بالنسبة لكثير منهم عالممجهول، وأنهم قد لا يعرفون سوى (أسامة بن لادن)، لأدرك الإنسان العربي أنه يهتم فيمن لا يهتم به، وأنه قد أشغل نفسه في فضاءات بعيدة عن صناعة نفسه ولفكر بأسلوب آخر يثبت فيه عروبيته بعيدًا عن شحنات الكره والبغضاء.
الإنسان الغربي مهموم بيومه وحياته وتنمية بلاده، أما بعض العرب فهم مهمومون بماذا يفعل الغرب الذي يكيد له ليل نهار، هذا كله ليبرر لنفسه خيباته ويُرضي ضميره «الوهمي» فيزيد بالشتم والدعاء على الغرب وها هي الأدعية كلها رُدّت لنا!