سمر المقرن
أعترف، بأن الأديب الكويتي حمد الحمد قد قام باختطافي على مدى ثلاثة أيام متتالية، في روايته (اختطاف.. ثانيًا) وأنني في كل يوم أقرأ مائة صفحة إلى أن أنهيتها بمتعة الفانتازيا ومرارة الواقع.
قام بأخذي في جولة إلى عالمنا العربي منذ عهد سابع خلفاء بني العباس «المأمون» إلى يومنا هذا، بنكسات تشبه بعضها البعض، وأحوال لا تختلف عن قتال المأمون لأخيه الأمين في القرن الثامن الميلادي، وبين قتل بشار الأسد لشعبه، وجرائم الإخوان المسلمين في مصر، وشلالات الدم في العراق، وحال اليمن البائس.. لم يختلف واقعنا في هذا القرن عن أيام المأمون سوى أن القتال أخذ اتساعًا في رقعة الجغرافيا العربية!
الرواية تعتمد على الفانتازيا غير المزعجة، لأن بعض الخيالات البعيدة عن الواقع قد لا يتقبلها أي قارئ، إلا أن واقعيتها داخل المدار الفانتازي تمنح القارئ مساحة واسعة من المتعة مع أسلوب سرد ذكي في ربط الحاضر بالماضي، من خلال شخصية (أبو الشعشاع المسميري) الذي كان مفكرًا وفيلسوفًا في عهد المأمون، ويمتلك خمسة كتب أهمها بعنوان: «جور الخلفاء وغلو العلماء» الذي أثار ضجة كبيرة في بغداد، وصار مطلوبًا عند الخليفة. وفي يوم وجد نفسه مختطفًا وبرفقته أفراد عائلته في جسم فضائي غريب، وتم اقتياده بعد رحلة طويلة إلى كوكب أجاد، حيث بقي هناك دون أن يرى أي شخص في هذا الكوكب لمدة تزيد عن 1200 عام، بقي هناك وزوجته وابنته الفيروزة وابنه الشعشاع على نفس أعمارهم وأشكالهم حيث لا يكبر الناس ولا يموتون في كوكب أجاد الساحر.
أحداث طويلة تمر بها الأسرة، فيها نقاش عن وضع المرأة بعد الوقوف أثناء الرحلة في كوكب ساميرون الذي تحكمه النساء. المساحة الأكبر وضعها حمد الحمد في فكرة التعايش بين الأديان من خلال العائلات التي تنتمي إلى كوكب الأرض وهم مختطفين أيضًا، هذه العائلات تم نقلها من كوكب آخر حيث تم اختطافهم من كوكب الأرض قبل أبو الشعشاع وأسرته، فعائلة تنتمي إلى العصر الجاهلي تعبد الأصنام، والثانية من اليهود العرب الذين كانوا يعيشون في أطراف المدينة المنورة، والعائلة الثالثة من نصارى نجران. تباطأت الأحداث في الرواية حول أزمة التعايش بين العائلات الأربع، وفسر أبو الشعشاع عدم رغبته بالتعرف على الوافدين الجدد للكوكب بقوله موجهًا حديثه لابنه: «على الأرض حاولنا تنوير المسلمين فلم يفهموا، فما بالك بتنوير كُفار.. حتمًا لن يستوعبوا».
الأحداث تترابط في عودة أبو الشعشاع إلى كوكب الأرض عام 2014م، وهول الصدمة التي أصابته بعد أن وجد معظم المدن العربية العريقة والتي كان يعرفها ويزورها قد دُمرت في حروب بين المسلمين وبعضهم، كان يريد أن يعود إلى بغداد لكن الدمار الذي تعيشه اليوم العراق منعه من الهبوط فيها.
تدخل الروايا في قالب كوميدي عند وصف تعبيرات وسلوكيات أبا الشعشاع بعد أن حطت به الرحال إلى دولة الإمارات كونها البقعة الآمنة التي أختارها له قائد المكوك الفضائي الذي نقله من كوكب أجاد إلى الأرض.
تورط أبا الشعشاع بشخصيته المتنكرة على أنه أكاديمي وافدًا من المغرب، بحب فتاة كويتية تميل إلى الإخوان المسلمين كون شقيقها رئيس الحزب في الكويت.
لن أسرد الأحداث أكثر، فالرواية الصادرة عن الدار العربية للعلوم تستحق القراءة وأن ترهن نفسك لتبقى مختطفًا بين أحداثها.