سمر المقرن
ما عاد أمر انتماء داعش للنظام الإيراني بتغذية بشار الأسد وشبيحته أمر وارد فيه الشك، فمن كان يشكك ويسخر في السابق عليه أن يعيد حساباته بعد كلمة مفتي سوريا التي هدد فيها أوروبا وأمريكا، ونفذّت داعش فورًا تهديداته بطمس نور باريس في يوم الجمعة المفجع على دوي بروق الرُعب والإرهاب!
بعد تلك التهديدات كان متوقعًا أن نسمع عن أحداث إرهابية في أي مدينة أوروبية، لكن ما لم أتوقعه هو -بعض- ردود الأفعال التي ضجّت بمواقع التواصل الاجتماعي والمؤيدة لهذا الحدث الإرهابي من أقلام وأشخاص لا ينتمون لداعش، إلا أن بعد هذا آمنت بحقيقة هي أن في عقول كثير من المسلمين «داعشي» متخف يظهر في مواقف ويغيب في مواقف أخرى.. أعلم أن هذه الفكرة سيغضب منها كثيرون لكنها حقيقة يجب أن ندركها لنتمكن من الوقوف على المشكلة الفكرية التي تعثو في داخل العقل العربي وتوجهه إلى الهلاك وتُفقده إنسانيته. كان أهم ما حدث هذا الأسبوع، هو هجوم منظّم على كل من يبدي تعاطفه مع الأحداث التي طمست أنوار باريس، وهذا الهجوم ليس من تيار معين ولا جنسية معينة بل من مختلفت الفعاليات الفكرية على مستوى العالم العربي، معتبرين أن من يتعاطف مع قتلى باريس هم فقط من يرتمي في أحضان الغرب من أصحاب الفكر المتأمرك على حد زعمهم!
وبعض ممن تعاطف مع الأحداث، وجدت أن تعاطفه أتى بسبب أن من بين القتلى مسلمين، وكأن غير المسلمين دماؤهم رخيصة وأرواحهم لا بكاء عليها.. مع أن المشاعر الإنسانية لا يمكن أن تتجزأ، ومن يتعاطف مع المسلمين ولا يتعاطف مع غيرهم هو بلا شك صاحب عاطفة مزيفة لأن المشاعر الحقيقية لا تقبل التقسيم!
فوجئت من -بعض- ردود الأفعال من اجترار الماضي، ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن الحدث الإرهابي في فرنسا هو عقوبة على جرائمها بحق مليون ونصف جزائري، هذا الرأي ملأ عشرات الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي وصادر عن شرائح مختلفة، في رسالة لم أفهم مغزاها بقدر ما أراه نوعًا من الحقد توحي بأن الأبرياء الذين ماتوا في باريس أجدادهم قتلوا الجزائريين لذا علينا أن لا نتعاطف معهم، ناسين أو متناسين أن في فرنسا يعيش ما يقارب خمسة ملايين جزائري لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات نفس ما على الفرنسيين دون تمييز، وأظن أصحاب هذا الرأي أرادوا تغييب الدور الفرنسي في استقبال اللاجئين السوريين ومنحهم حياة كريمة لم يكن بعضهم يعيشها في بلده، وبرغم هذا ما زال لدى بعضهم حب الشماتة والتشفي والكره والحقد على أي دولة غربية، بل وحتى على من يتعاطف من شلالات الدماء البرئية فهو في أعرافهم من المرتمين في أحضان الغرب.
الغريب أن كل هؤلاء ينددون ويستنكرون أفعال داعش، وفي تناقض تام يؤيدون جريمة داعش في باريس، ويريدوننا أن لا نُصدق بأن فكر داعش يعشعش في عقول كثيرة وإن أنكرت، فالواقع أكبر دليل وخير برهان!