د. محمد البشر
القمة التي ستعقد في الرياض في الفترة القريبة العاجلة هي القمة الرابعة بعد الأولى التي عقدت في البرازيل والتالية لها في الدوحة ومن ثم البيرو، وقد اقترحها الرئيس البرازيلي السابق لويس إبتا سو، وبدأت عام 2005، وها هي الآن تحل في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وقلب العالم العربي والإسلامي، وغايتها التدارس بين المجموعتين الكبيرتين اللتين يبلغ عدد سكانها نحو من مليار نسمة، ولا يقتصر التشاور على المجال السياسي، بل تعداه إلى المجال الاقتصادي، والثقافي، وغيره من المجالات، ودول أمريكا الجنوبية المنظمة تحت منظمة أوناسور الجامعة لاثني عشر دولة، بينما تقع الدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية.
ما من شك أن هناك مصالح مشتركة ومواقف مشتركة أيضا تستحق التدارس والتفاهم حولها، والاستفادة من التجارب في كلا المجموعتين، وإن كانت القمم السابقة قد حققت الكثير فإن هذه القمة يتم التعويل عليها بمقدار أكبر لكونها تقام في المملكة العربية السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الذي سوف يرأس بإذن الله هذه القمة المنتظرة.
القضية الفلسطينية، كانت وما زالت وستظل القضية الأولى للدول العربية والإسلامية، ومن حسن الطالع أن دول جنوب أمريكا يقفون موقفاً متميزاً حيال العدل والحق ومساندة القضية الفلسطينية، بعد أن طرد شعب من أرضه، وتم إحلاله بغيره، ومن ثم كان الاحتلال، والتوسع والاستيطان والذي ما زال مستمراً، دون النظر الى القرارات الدولية، والقيم الإنسانية، والإجماع الشعبي العالمي.
هذه الدول بموقفها المؤيد للقضية الفلسطينية حكومات وشعوب تعطي نموذجا لذلك القليل من الدول النافذة التي تأبى الرجوع إلى الحق رغم معرفتها له، ويقينها التام أن ما تفعله أبعد ما يكون عن الحق والعدل، ولكنه النظام العالمي الذي يجعل مصائر الشعوب في عدد محدود من الدول.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله عرف بدعمه الدائم للقضية الفلسطينية ورعايته للشعب الفلسطيني منذ بداية حياته، حتى أنه تجند للذود عن فلسطين في بداية الحرب الظالمة آنذاك، ومن عرفه عن قرب أو لم يتح له ذلك، يوقن بلا مراء أنه حفظه الله يحمل همّ هذه القضية بين جنباته، وفي سويداء قلبه، وهو الذي يقرأ المرء مقدار ألمه وحرقته عندما يتحدث عن فلسطين أو الشعب الفلسطيني الشقيق، وما لحق به من ظلم وجور.
خادم الحرمين الشريفين عندما كان أميراً للرياض، ومن ثم نائباً ثانياً، وبعد ذلك وليا للعهد، كان على معرفة تامة، وصلة دائمة بالأطراف الفلسطينية ولم يبخل بحكم مكانته المرموقة عندما كان أميراً للرياض في تذليل المصاعب العديدة والكثيرة التي واجهها الأخوة في فلسطين، وكان سعيه النبيل لا يقتصر على السياسية والقادة بل يشمل مشاكل الأفراد، ومتطلباتهم وكم من معضلة ظن أصحابها كمواطنين أنها مستعصية وحلت على يديه، لا يرجوا في ذلك سوى وجه الله.
وأنا أعلم أن سفراء فلسطين الذين خدموا في المملكة يلجؤون إلى الله ثم إلى خادم الحرمين الشريفين عندما كان أميراً للرياض لحل قضاياهم السياسية، وتسهيل أمور المقيمين من الإخوة الفلسطينيين، في أي مجال كان سواء أسرياً أو تجارياً، ولهذا فترأس خادم الحرمين الشريفين للقمة سيكون له الأثر الإيجابي الكبير على القضية الفلسطينية.
الدول العربية، ودول أمريكا الجنوبية، لديها من الإمكانات البشرية، والثروات الطبيعية، والقدرات العلمية، ما يجعلها قادرة على زيادة التبادل التجاري بين المجموعتين بشكل كبير، ففي كلا المجموعتين معطيات يمكنها تحقيق ذلك.
ولعلنا نرجع الى التاريخ قليلاً لنذكر أنه يقطن في أمريكا الجنوبية، عدد ذوي أصول عربية، ومنهم الرؤساء والقادة والوزراء، ورجال الأعمال، ويتمتعون بحرية مطلقة، ولهم حقوق كاملة، وكما أن لهم طابعهم الخاص، ويمارسون عادتهم، وينعمون بثقافتهم التي مازالوا يحتفظون بها.
لعلنا نذكر أن أمريكا الجنوبية أنجبت شعراء، وأُدباء أفذاذ ينطقون باللسان العربي ويكفينا أن نذكر جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وغيرهم كثير، كما أن لديهم مجلاتهم وكتبهم، ودورياتهم العلمية والأدبية، ولا ننسى أن عددا ممن حل بأمريكا الجنوبية بعد اكتشاف كرستوفر كولومبس لها كانوا ذوي أصول عربية، بل إن البحارة والخرائط التي استخدموها كانت من صنع العرب وتنفيذهم، فقد استفاد من ذلك الموروث خلق كبير، كما استفاد كرستوفر من البحارة العرب الذين كانوا هناك بعد سقوط غرناطة، آخر معاقل المسلمين، حيث تزامن الاكتشاف مع السقوط.
إن القمة ستكون بإذن الله ناجحة لما ينعم به خادم الحرمين الشريفين من حكمة وحنكة ودراية.