سعد بن عبدالقادر القويعي
يُعَدُّ «معهد بروكنجز» الأمريكي، أحد أهم مراكز الأبحاث المؤثرة في دوائر صنع القرار في واشنطن، تأسس في العام 1927م، وهو مؤسسة خاصة غير ربحية، متخصصة في مجالات البحث، والتعليم، وصناعة القرار في الاقتصاد، والحكومات، وفي السياسات الخارجية. ويقوم المعهد بالتحليل، والنقد. وينشر نتائج بحوثه للعامة، - إضافة - إلى أنه من خلال المؤتمرات، والندوات التي ينظمها يكون جسراً بين البحث العلمي والسياسة العامة؛ من أجل تقديم معرفة جديدة لصانعي القرار، والسياسة، وتوفر للباحثين فهماً أفضل للسياسات العامة. إضافة إلى أنه يرتبط بعلاقة وثيقة بالمخابرات الأمريكية، وقد تمّ إنشاء «مركز بروكنجز» الدوحة، من خلال مبادرة من «معهد بروكنجز» في واشنطن؛ وليأخذ المركز من الدوحة مقرّاً له، كما يعبر عن رؤيته وفقاً للتقرير.
من ضمن التحليلات السياسية، والبحوث المستقلّة عالية الجودة عن منطقة الشرق الأوسط، بحث قُدِّم، بعنوان،: «باقية وتتمدد: مواجهة شبكات الدعاية الخاصة بداعش»، وهي ورقة عمل قدمها مسؤول الولايات المتحدة الأمريكية «ألبرتو فرنانديز» - نائب معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط -، ضمن مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي - التابع لمعهد بروكنجز الدوحة الدورة الثانية عشرة من منتدى أمريكا والعامل الإسلامي -، والمنعقد في أكتوبر 2015 م، حيث تطرق الباحث في ورقته إلى «حملة السكينة».
يقول معد التقرير «ألبرتو فرنانديز»، نقلاً عن 4242 أنجيال راباسا، وآخرون، Deradicalizing Islamist Extremists ) سانتا مونيكا: مؤسسة راند، قسم الأمن القومي في راند، 62.2010 م: « من الانتقادات التي وُجهت إلى (حملة السكينة)، ذاك القائل: بأنها تسعى إلى غرس الأيدولوجية السعودية في الأذهان، علماً أن هذه الأيدولوجية تلتقي في مجالات مهمة مع إيديولوجية المتطرفين، وبالتالي تروّج للولاء للأهداف السعودية، من دون أن يغير بالضرورة من نظرة المتطرفين المستقبلية».
إن الازدواجية في هذه الرؤية لا تخدم الطرح الموضوعي، ولا تخدم - أيضاً - وجهة النظر المحايدة، والتي يُرجى منها مواصلة تصحيح الرؤية الخاطئة على صفحة النقاش، بل تتركه عالقاً دون انتباه لما يناقضها، وهو ما ورد في ثنايا التقرير. الأمر الذي سيجعلني أتساءل عن المقصود بالأيديولوجية السعودية، ما هي، وما أهدافها؟، فهي غير معلنة بوضوح في التقرير المشار إليه. ثم كيف هي تلتقي في مجالات مهمة مع أيديولوجية المتطرفين، وما هي هذه المجالات؟؛ ولأن التجاهل للسياقات الواردة في التقرير بين العلاقتين، أوصل الباحث في هذا المحور من التحليل إلى نتيجة خاطئة؛ بناء على مقدمات، وافتراضات غير صحيحة، وهي الترويج «للولاء للأهداف السعودية، من دون أن يغير بالضرورة من نظرة المتطرفين المستقبلية»؛ لتلتقي - مع الأسف - في هذه الأسطر الأضداد الأيديولوجية، وذلك عندما تم توظيف كل منهما للآخر، باستهدافه فكرة متطرفة خاطئة. ويأتي التحيز بعد ذلك حول النبرة الأيديولوجية، إذ تكشف عدم الموضوعية نحو الاتهام الأيديولوجي المتشدد، حين ختم الفقرة، بعبارة: «ولكن تماماً كما هي الحال مع مختلف الجهود الرامية إلى مكافحة التطرف، ومع الرسائل المضادة، أن تفعل شيئاً خير من أن لا تفعل».
هل أراد التقرير صرف الأنظار عن الأيديولوجية الحقيقية للتطرف، والتي ترسم الواقع مسبقاً بعد أن سهلت ولادة تنظيم إرهابي كهذا، دون إخضاعه للفكر النقدي للذات، - وأيضاً - للواقع الذي أنتجه هذا الذات، دون مواربة في إدانتهم؟. مع أن خطابها الديني لم يتفوق على مضمونها بأدواته البليدة، ولا حتى خطابها المدني استطاع أن يوجد دليلاً في الحياة المدنية، - باعتبار - أن إرهابها لا فكر يستوعبه، ولا دين يسنده، ولا إنسانية تدعمه؛ ليتجاوز أدبيات الفكر التكفيري السابق عليها، ومن ذلك على سبيل المثال: نقل التكفير من الأفعال إلى الانتماء.
إن الطرح الموضوعي، هو الذي يربط الوقائع بأدلتها، وكل حالة ماثلة بسياقاتها. وقد تكون الأزمات هي الوقت الملائم؛ للكشف عن الجذور المنتجة للإرهاب، والمتمثلة في الخطاب المؤسس للعنف بكل أنواعه، والتي غذتها أفكار خاطئة عن الإسلام، وتعاليمه السمحة، - إضافة - إلى جملة من الموضوعات السياسية التي تعيشها المنطقة، - وكذلك - الأوضاع الاجتماعية، والثقافية المحيطة بتلك العناصر الشاذة في المجتمعات؛ وليبلغ التطرف مداه في حكم الأقلية على الأكثرية؛ منطلقاً من وظيفته الأولى، والمتلبسة بلبوس فكري ديني، بينما وظيفته الأخرى، تلحظها بتدثرها بلبوس السياسة الحركية.
سأتجاوز هذه النقطة؛ من أجل شرح الأسباب الواقعية للتوظيف التأويلي المكشوف للوقائع، والبعيدة عن الواقع؛ فـ «حملة السكينة» تعمل على توفير المصلحة العليا للبشر على أساس الموازنة، مع تصحيح الأخطاء؛ لتحييد آثار خطاب الكراهية قدر الإمكان، وعدم تشجيع الآخرين على ارتكاب الأفعال ذاتها بدافع رد الاعتبار، أو الانتقام؛ ولأن مشروعاً - كهذا - يحتاج إلى جانب المكون الفكري عناصر جوهرية، يأتي في مقدمتها: عدم التحريض على العنف، والكراهية، - إضافة - إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة؛ من أجل منع إثارة الفتن في المجتمعات، وحرصاً على القيمة المعنوية للإنسان، وسيظل فريق العمل لـ «حملة السكينة» راكنين لمجموعة المطالب السابقة، كونها تضم الحد المقبول من الاستقرار العام.