د. فوزية البكر
حارس المدرسة الابتدائية 373 عبدالله المهنا نال ما كان يستحقه من تكريم حين حدث أن صور أحد أولياء الأمور عمله المهم وهو يوقف السيارات العابرة للطريق أمام المدرسة التي يعمل بها حتى لا تصدم الصغيرات العابرات إلى سيارتهن وهو قالها حرفيا: إنه لا يوجد ممر للعبور أمام المدرسة (!!)
ولذا فهو يقوم بمهمة الشرطي في إيقاف السيارات لتعبر الصغيرات وهو يستعيد بأسي حادثة الطالبة التي صدمها باص وبقيت في ذهنه حية تدفعه لبذل المزيد لحماية الصغيرات من أخطار الطريق من وإلى المدرسة.القصة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي أثر وضعها من قبل د. فهد اليحيا حيث تم تدويرها 1400 مرة واستجاب معالي الوزير لها بفطنته المعهودة وسيتم تكريمه.
والقصة جميلة وحنونة ونحتاج أن نستمع إلى أمثالها في زمن هذا الذي كثرت فيه المصائب لكنها تبقي قصة تستحق التأمل اجتماعيا وفلسفيا وإجرائيا من خلال الجوانب التالية:
- تعليق بعض الصحف بأن أمثاله من الحراس يكتفون في العادة بالجلوس في غرفهم غير عابئين بما يحدث وقت الحضور والانصراف؟ إذن لماذا تم تعيينهم كحراس وماهي التوقعات الوظيفية من حراس مدارس البنات؟ ما هي المهمات المتوقعة منهم؟ وهل يكفي فقط أن يكونوا كبارا في السن؟ ويغلقوا باب المدرسة بالمفتاح؟ العالم يتغير ونحن لا زلنا في الأوضاع الإدراية التي بنتها (الرئاسة العامة للبنات) والتي غادرتنا منذ أكثر من أحدى عشر عاما لكن الهيمنة الفكرية لجهازها الإداري والمناخ الفكري الذي خلقته عبر السنوات وينعكس في التعاميم والوظائف وتوقعات الوظائف لا زال هو السائد في مدارس البنات فهل نعيد فتح ملفات الجوانب الاجتماعية والسياسية والايدلوجية لنظام تعليم المرأة في مجتمعنا؟
-الحارس الشهم قال إنه يقوم بهذا العمل لأن الذي يقوم بنقل الغالبية من هؤلاء الصغيرات هم السائقون وهم لا يهتمون كثيرا بالصغيرات؟ تصوروا كل هذه الأخطار المحدقة فالصغيرات مع سائق دون وجود أحد من أفراد العائلة (!!) لكن ماذا تفعل العائلات فعلا؟ لا يوجد نقل عام كما في كل بلدان العالم (قطارات وباصات) ولا يسمح للأم بالقيادة فماذا بقي من خيارات للأسرة؟ هل يترك الأب عمله كل يوم ليعيد الصغيرات للمنازل ام نستعين بالسائقين ونغمض أعيننا عن كل ما قد يأتي مع ذلك من إهمال كما عبر المهنا الذي يرى ذلك خلال عمله أو حتى اعظم من ذلك من تحرش وخلافه؟ فماذا نفعل؟ هل يقدم أحدكم حلولا واقعية لهذا المجتمع الذي يدور على نفسه هربا من نفسه؟
ثانيا: الحارس نفسه يقول بكل بساطة إنه لا يوجد ممر لعبور المشاة أمام المدرسة مما يضطره للوقوف في وجه السيارات وهذا الموضوع والحادثة برمتها تدفع بقضية السلامة في المدرسة السعودية إلى الواجهة.
هذه الحادثة البسيطة على رغم شهامة المهنا تضعنا مباشرة أمام موضوع جاد جدا وهو السلامة المدرسية ليس فقط داخل المباني المدرسية التي نتوقع أنها تضطر إلى الالتزام بها قبل الإفساح للمبنى أن يكون مدرسة لكننا الآن نتحدث عن سلامة الطفل لحظة أن يخطو بقدمه خارج أسوار المدرسة وسؤالنا: هل تنتهي مسئولية المدرسة عند باب المدرسة الخارجي أم هي ملزمة بتأمين سلامة الطفل حتى يعود سالما إلى بيته؟
كيف حدث بكل بساطة أن لا وجود لأية إجراءات للسلامة أو التنظيم خارج المدرسة 373 الابتدائية أو تلك المدرسة الخاصة الغالية أو الروضة المهملة في حي الشفا الخ؟ نقلت لنا الصحف بتاريخ 18 / 11 / 2015 خبر الطفل الذي وكما كتبت الصحيفة (أنقذته العناية الإلهية من الموت) والحمدلله على ذلك فعلا لأن الله حفظ حياة الطفل الذي خرج من مدرسته ثم ركض خلف سيارة وتعلق بها من الخلف وهي تمشي وبالطبع ونتيجة للسرعة سقط منها والحمدلله أن لم تكن هناك سيارة خلفه مباشرة وإلا كان مات دهسا وأيضا سارع مدير المدرسة الشهم لنقل الطفل للمستشفى وبعد أن أطمأن عليه اتصل بوالده؟ الآن أين تقع المسئولية؟ هل هم الوالدين؟ المدرسة؟ مؤسسات المجتمع التطوعية؟
في حادثة دامية وموجعة توفي الطفل عبدالملك العوض ذو الستة أعوام ووحيد والديه والذي كان يغط في نوم عميق داخل حافلة النقل المدرسي حينما وصلت إلى مواقف أحد المدارس العالمية بمدنية جدة ولم ينتبه سائق الحافلة لوجود الطفل داخل الباص (لا توجد إجراءات سلامة واضحة يلزم السائقين باتباعها أصلا قبل إيقاف حافلاتهم) كما لم تع أو تشعر المدرسة بغيابه إلا بعد وفاة الطفل واتصال الأسرة بالأب لتبلغه أولا بأن الطفل مريض ثم تدريجيا تنقل له الخبر وكالعادة ردة الفعل الرسمية.
(وفي أول رد فعل من إدارة تعليم محافظة جدة، أصدر مدير التعليم عبدالله الثقفي تعليمات بالتحقيق في الواقعة فورا والرفع بنتائجه لاتخاذ الإجراء المناسب، حسب ما أفاد به الناطق الإعلامي لتعليم المحافظة عبدالمجيد الغامدي، مشيرا إلى أن الحافلة التي توفي بداخلها الطالب عبدالملك تتبع لمؤسسة نقل خاصة وتم التعاقد معها من قبل إدارة المدرسة مباشرة: صحيفة عكاظ، 16 أكتوبر 2015)
لا حظوا أنه لا الصحف ولا توتير ضج بوفاة الصغير؟ لماذا؟ لأنه من أسرة فقيرة لا تملك العلاقات ولا التأثير ومن ثم فهو مجرد (طفل) توفي مأسوفا عليه.
قضية سلامة التلاميذ حتى يصلوا إلى منازلهم قضية مشتركة بين البيت والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني وأنا من هذا المنبر أطرح عددا من التوصيات التي أتمنى تأملها وتحسينها والدفع بما يحقق سلامة الصغار وهي:
-ضرورة وجود مسارات للمارة من الطلاب واضحة أمام كل مدرسة
-الاستعانة بالمتقاعدين والمتقاعدات للمساعدة في إيصال الطلاب من وإلى مدارسهم أو سياراتهم خاصة أن الكثير هم من عملوا في حقل التربية التعليم.
-ضرورة وجود إجراءات مراجعة واضحة يتم تدريب طاقم المدرسة من العمالة بدءا بالسائقين أو الحراس أو أعمال النظافة والا كيف يمكن لسائق حافلة أن يقوم برصف الباص في الموقف دون أن يقوم بجولة سريعة على الكراسي وخاصة الخلفية للتأكد من عدم وجود الصغار نائمين كما حدث مع الفقيد أو حتى بعض الإصابات للطالبات حين تلتف العباءات وهن ينزلن من الباص لسرعته الخ .
-جعل السلامة للأطفال والمارة والطلاب تحديدا علي رأس الأجندة الاجتماعية التي تناقش في وسائل التواصل وفي الصحف وغيرها ونحن نعرف مثلا أن لا أحد يستطيع تخطي حافلة مدرسية في الولايات المتحدة إذا كانت تقف لتنزيل بعض الطلاب حيث يقف الباص وتقف السيارات في الاتجاهين مهما سبب ذلك من الزحام حتى يقطع التلميذ الشارع؟ هل نأمل بمثل هذه الدرجة من الوعي؟ ليس الآن ربما رغم أن أولادنا يستحقون ذلك لكن على أقل تقدير يجب أن نوقظ أهمية الوعي بذلك.