د. فوزية البكر
هذا سؤال المليون ريال الذي يقض مضجع مئات الآلاف من الآباء والأمهات الذين بذلوا الغالي والرخيص من أجل أن يدفعوا ببناتهم إلى أحضان الزواج. كل أب وأم يتمنون بأن تتزوج بناتهم كما كل البنات ويرزقهن الله بمن يكملن معه رحلة الحياة بسعادة وهدوء فلا يتأخرن فيثقل عليهن طريق الوحدة الاجتماعي المغطى بالرقابة الاجتماعية الصارمة ولذا فهم يحرصون كل الحرص على أن يختاروا من يرون صلاحه وتوافقه علمياً واجتماعياً مع بيئاتهم أملاً في أن يوفق الله بين العروسين فيعمرون أسرهم كما في كل العالم.
وكم شهدت دمعات غالية لآباء يسلمون فلذات أكبادهم إلى أزواج المستقبل ولا يهون عليهم أن تنتقل إلى بيت آخر ورعاية رجل آخر لكن هذه سنة الحياة، والأمر نفسه مع الأمهات اللاتي وبقدر ما يحاولن أن يكبتن جماح مشاعرهن الجياشة ليلة الزفاف والانشغال بالناس والترتيبات إلا أن أيام لاحقة وليال من البكاء والتذكر بينها وبين الأخوات والإخوة، وكله يهون أملاً في زواج موفق يعمر بالبنين والبنات والسعادة، هذا عدا ما أنفقاه من وقت ومال في التخطيط والتنظيم لكل الدقائق التي تتعلق بالزواج بدءاً بصحن الشوكلاتة مروراً بقاعة الزواج وفستان العروس وأم العروس وعشرات الآلاف من الريالات التي بلا شك قد تصل إلى المئات وربما إلى الملايين وكله يعد رخيصاً ولا خسارة فيه فالأمل..كل الأمل هو أن يوفق الله بين الزوجين وينعم عليهما بالهدوء والاستقرار فما الذي حصل؟.. ولماذا عادت الفتاة ربما بعد شهر، ستة أشهر، وبالكثير سنة لترتفع نسب الطلاق في مجتمعنا إلى أرقام غير مسبوقة؟.
نسب غير واقعية نراها تنشر في الصحف اليومية حول الطلاق بحيث إن هناك ثماني حالات طلاق كل ساعة! وأن النسب وصلت إلى 35 % وهذا يعني أنه من بين كل 100 زيجة هناك من 35 إلى40 % احتمال أن تنتهي بالطلاق وهذا شيء مخيف فعلاً ويجب أن نتوقف عنده ملياً.
فكرت طويلاً بهذه المقالة ولنقل فعلاً منذ عدة أشهر وأنا أجمع وأقرأ وأتحدث مع العشرات من الصغيرات المطلقات (وأعترف هنا أنني لم أتمكن من الحديث مع أي من الأزواج) والذين بلا شك عانوا صدمة عنيفة هم أيضاً بانهيار بيت الزوجية الذي تخيلوه حنوناً دافئاً وحالماً كأحلامهم ليلة الزفاف لينهار بسرعة غير متوقعة تحدث صدمة حتى لأكبر عاقل ولذا فلا أشك أنهم هم الآخرين يعانون بصمت مطبق والذي بلا شك سيلون علاقتهم بالجنس الآخر حتى نهاية أعمارهم، لذا فالمأساة بالطبع لا تقتصر على الفتاة أو أهل الفتاة بل تشمل الجنسين وأهاليهم وهم ابناؤنا وبناتنا ولذا علينا أن نتوقف ونسأل أين هو مكمن الخطأ؟.
لا يوجد بالطبع سبب واحد في العادة يدفع امرأة أو رجلاً أن يرمي حلمه للرياح بسهولة والكثير قيل في هذا المجال ما بين ارتفاع تكاليف الزواج (وهذا حقيقي) إلى الدرجة التي تثقل كاهل الزوج (أو الزوجين معاً) بما يولد الشقاق والنزاعات، عدم الحكمة وعدم التروي بدليل أن معظم هذه الطلاقات تتم في السنة الأولي وهذا يعني بوضوح غياب برامج الإعداد والاستشارات الزواجية التي تساعد الزوجين على تخطي صعاب التعايش الأولي، كما ذكر من الأسباب: تسلط الأم سواء قصدوا بذلك تسلط أم الزوجة أو في الغالب أم الزوج (وإن كانت هذه إحدى المشكلات الأزلية)، لكن المثير للانتباه هو الحديث حول أيضاً تسلط أم الزوجة أو تدخلها فمع التعليم والاستقلال المادي لأم الزوجة أصبحت هي من يملك التأثير في كثير من القرارات الحياتية بما فيها أزواج المستقبل لأبنائها وبناتها وأن طبيعة العمل خارج المنزل يخلق شخصية (سلطوية) تتدخل في أمور ابنتها حتي تسقط زواجها (أنا أنقل الآن مختصر ما يقال ويذكر في أحاديث وحتى في بعض الرسائل العلمية)!!!.. أو أن تعليم المرأة خلق شخصيات متمردة من البنات لا تقبل بأحكام الرجل وترفض الانصياع لسلطته (الزوجية) التي أعطاه إياها القانون والعرف الاجتماعي بما سبب مشكلات تبدو صغيرة يومية من مثل: لا تروحين لأهلك اليوم أو ما أبي اطلع بك؟ أو مشكلات عدم وجود سائق أو التعود على العاملة المنزلية الخ من القضايا التي تتحول إلى صراع وفي ظل غياب خدمات الاستشارات الأسرية والزواجية إلا أقل القليل المتاح في بعض المدن الكبرى مثل الرياض كجهود جمعية مودة وجهود برنامج الآمان الأسري وكذلك مركز الاستشارات الاجتماعية وغيرها من المراكز المدنية تصبح المشاكل الجانبية بين الزوجين الصغيرين قضايا كبرى قد يفترقان عليها ليندما لاحقا بعد ان ينضجا لكن حين لا ينفع الندم؟.
القضية إذن متشابكة ومعقدة ومتعددة الأسباب ولكنها فعلاً شيقة وتحتاج إلى تحليل عميق يبتعد عن السطح فإذا تكلمنا عن كلفة مادية فنحن نتكلم عن أساليب استهلاكية ناتجة عن فترة الطفرة النفطية التي أفقدت الناس معاييرها الاعتيادية فعمدت إلى تقليد من هم فوق، وابن خلدون قال ذلك بصراحة في مقدمته، فالمغلوب يقلد الغالب أي أن الأقل يقلد الأكثر أو الأغنى أو الأكثر شهرة مما خلق أنماطاً استهلاكية لا يتمكن الجيل الشاب من مجاراتها بما ينجم عنه أما ان يرفض الزواج جملة وتفصيلاً مما يرفع نسب المتأخرين في الزواج بما يهدد الأمن والسلم الاجتماعي أو أن يتزوج (بحسب الشروط الاستهلاكية المتوقعة اجتماعياً) ليبتلي لسنوات تالية بتسديد أقساط كان يمكن أن تكون موجهة لحياته المباشرة داخل عائلته الصغيرة. وهنا ألم يحن الأوان لنتأمل هذه التوقعات الاجتماعية المالية المبالغ فيها فيكون لدى أحدنا الشجاعة ليعلن رفضها؟
ورغم أهمية الحديث عن الاشتراطات المالية (التي أرى أن بعضها تعجيزي فعلاً) والتي يواجه بها كل شاب وشابة مقبلين على الزواج إلا أنني أعتقد أن مناقشة العلاقة المختلة بين الرجل والمرأة السعوديين هي الأكثر أهمية في رأي والتي قد تسهم في تفسير بعض من هذه الأحجية المؤلمة.. ولي بكم لقاء حول ذلك الخميس القادم.