د. عبدالواحد الحميد
مؤلم أن يتم وصف اللاجئين السوريين بالكلاب المسعورة، ومؤلم أنَّ مَنْ يطلق هذا الوصف هو أحد مرشحي الرئاسة للولايات المتحدة الأمريكية، التي هي جزء من تفاصيل المأساة السورية، ومؤلم أن هذا المرشح ينحدر من أصول إفريقية، عانت الويلات من الاضطهاد العنصري في أمريكا والغرب على مدى قرون، ولكن هذا بالضبط ما فعله المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية «بن كارسون».
أمريكا وقفت متفرجة على المأساة السورية، بل إنها كانت سلبية بعد أن «عشَّمت» السوريين، وأعطتهم الأمل عند بدايات الثورة السورية، ثم أدارت لهم ظهرها بعد أن تحقق لها ولإسرائيل ما تريدان، وهو التخلص من مخزون الأسلحة الكيميائية السورية، وتفتيت البلاد، ثم هرولت مسرعة بعد توقيع الاتفاقية النووية مع إيران.
لقد وصف «بن كارسون» طبيب الأعصاب المتقاعد الذي يحلم بالجلوس على كرسي الرئاسة في أمريكا اللاجئين السوريين بأنهم كلاب مسعورة، وكل ذنبهم أنهم يهربون من الموت الزؤام الذي يأتيهم من كل حدب وصوب أمام سمع وبصر الحكومة الأمريكية التي لو أنها رغبت فعلاً لأخذت الأمور مساراً آخر، ولم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من نهاية مأساوية، فلا هي التي ساعدتهم في محنتهم عندما كانت المأساة السورية تتشكل في بداياتها، وليست هي التي ترفَّعت عن إيهامهم بأن الحرية والكرامة ولقمة العيش ستكون في متناول أيديهم.
وبدلاً من أن تحاسب الولايات المتحدة نفسها على خديعتها للسوريين يأتي مرشح الرئاسة الأمريكي ليصف هؤلاء الهاربين من الجحيم بأنهم كلاب مسعورة!
للأسف، فإن التاريخ يعيد نفسه، وقد فعلتها الولايات المتحدة من قبل في أكثر من مكان في العالم عبر تاريخها تحت مُختلَف الإدارات الأمريكية، حين أشعلت الحرائق ثم نفذت بجلدها غير آبهة بالخراب الذي تتركه وراءها. لكن ما فعله «بن كارسون» حين وصف اللاجئين السوريين بالكلاب المسعورة يتجاوز كل ما يتصوره العقل؛ فقد كان عليه أن يعتذر لهم عن السياسة المتخبطة التي ارتكبتها حكومة بلاده حين «عشَّمت» السوريين في بداية الثورة ثم تركتهم لشأنهم عندما حققت ما رغبت في تحقيقه دون أن يرف لها جفن أو يؤنبها ضمير.
تصريح «بن كارسون» العنصري يعكس - بلا شك - دخيلة نفسه قبل أي شيء آخر، ولكنه يعكس أيضاً عمق المأساة التي يواجهها السوريون الذين يمارس الجميع لعب كرة القدم بجماجمهم. فلا أحد يرحم السوريين، ولا أحد يريد رحمة رب العالمين أن تتنزل عليهم، وفي النهاية هم ليسوا أكثر من «كلاب مسعورة» في نظر المرشح الرئاسي الأمريكي. وما خفي كان أعظم!