د. عبدالواحد الحميد
أزمة السكن هي حديث الناس في هذه الأيام لأسباب معروفة، وقد جاء المنتدى الذي عقده مركز عبد الرحمن السديري الثقافي عن أزمة السكن في الوقت المناسب، بالرغم من أن موضوع المنتدى كان قد تم اختياره منذ بضعة أشهر قبل الضوضاء التي أعقبت تصريحات وزير الإسكان، عندما قال إن أزمة السكن لا تتعلق بغلاء أسعار الأراضي أو غير ذلك من الأسباب التي يتحدث عنها الناس وإنما هي أزمة فكر. لست بصدد التعليق على الأفكار التي طرحها الوزير والتي ربما أن البعض قد توسع في تفسيرها وتحليلها سلباً أو إيجاباً، فقد كُتِب عنها الكثير جداً وتناولتها مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت وغير مسبوق، وهو ما يعكس حدة الأزمة السكنية التي يعاني منها قطاعٌ كبيرٌ جداً من المواطنين. لكنني أحببت التأكيد على توصية وردت في الكلمة التي ألقاها الدكتور عبد الرحمن الشبيلي باسم هيئة المنتدى ضمن فعالياته لهذا الموسم، وذلك في سياق تكريم المنتدى لصندوق التنمية العقارية على إسهامه في توفير مساكن لطائفة كبيرة من المواطنين منذ تأسيسه في عام 1394هـ - 1974م. فقد أكد المنتدى على ضرورة المحافظة على الصندوق مهما تعددت وتشعبت الأفكار «التطويرية» التي يتم الحديث عنها الآن لحل أزمة السكن. أعتقد أن هذه التوصية مناسبة تماماً، فالصندوق رغم كل النقد الذي يمكن توجيهه إليه، يظل هو الإسهام الرئيسي الذي قدمته الحكومة لمساعدة المواطنين على بناء وامتلاك مساكنهم. نحن نعرف أن فترات الانتظار كانت ولاتزال طويلة للحصول على قرض من الصندوق، ونعلم أن المشكلة الكبرى التي تواجه فئة كبيرة جداً من المواطنين هي الحصول على الأرض قبل القرض. لكن الصندوق ليس مسؤولاً عن الشح المفتعل في الأراضي الذي يمارسه محتكرو المساحات الكبيرة البيضاء والتي بلغت في مدينة كالرياض أكثر من خمسين بالمائة، كما أن الصندوق يعتمد في حجم الإقراض الذي يقدمه للناس على ما يتم رصده من ميزانية له من الحكومة، وعلى مدى إقبال المقترضين على تسديد ما اقترضوه من الصندوق، وكلا الأمرين لا يتحكم بهما الصندوق.
نعم لابد من المحافظة على بقاء الصندوق، فهو يقدم قروضاً مباشرة بلا فوائد، كما أنه يعفي المقترض من نسبة من القرض حينما يسدد ما عليه من التزامات في الأوقات المحددة للتسديد، وهذا بخلاف فكرة «القرض المعجل» التي يُرَوَّج لها هذه الأيام والتي لن تزيد الطين إلا بِلّة. يمكننا أن نسوق الكثير من النقد لأداء الصندوق، ونحن نتمنى معالجة جميع أوجه القصور التي يعاني منها. لكن الحقيقة التي يعرفها كل السعوديين هي أن الصندوق استطاع أن يتيح السكن للكثير من المواطنين الذين لم يكونوا يحلمون بامتلاك سكن حديث، وقد استطاع الصندوق على مدى العقود الماضية أن يغير وجه الأرياف السعودية بشكل خاص، مما انعكس بشكل إيجابي وجذري على حياة الناس في تلك الأماكن التي كثيراً ما غفلت عنها مشاريع التنمية التي ركزت على المدن الكبيرة. بالإضافة إلى ما قدمه الصندوق لمن أقاموا مشاريع سكنية استثمارية أسهمت بدورها في مواجهة أزمة السكن. لقد كان مركز عبد الرحمن السديري الثقافي موفقاً في اختياره صندوق التنمية العقارية ليكون الشخصية المكرمة للمنتدى لهذا العام، وهو أول تكريم يحظى به الصندوق على امتداد تاريخه، فشكراً لمركز عبد الرحمن السديري الثقافي على هذه المبادرة الحضارية.