حسن اليمني
ترى الولايات المتحدة الأمريكية أنّ محاربة داعش أولاً هو الأهم وأنه لا يمكن محاربته إلا بوجود الأسد، وفي حين أن الأسد مشغول الآن بمحاربة شعبه، فقد نفهم الموقف الأمريكي أنه لابد من سرعة القضاء على الشعب العربي السوري، ليتمكن الأسد من التفرغ لدعم الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد داعش، وصحيح أن الاستنتاج هنا غير منطقي، لكن الموقف الأمريكي أيضاً هو غير منطقي بعكس الموقف الروسي الواضح الذي أعلنه صراحة السيد لافروف بوقوفه مع النظام الجائر على شعبه في سوريا، والذي يجمع بين الموقفين الأمريكي والروسي، هو الاستهانة بما يعانيه شعب سوريا الذي يتلقى أطناناً من البراميل المتفجرة دون رحمة أو شفقة باسم الممانعة والمقاومة ومحاربة الإرهاب، واعتبار الحرب على الإرهاب المتمثل في داعش له الأولوية وكأنما استبدل عن إسرائيل، ويزيد من المأساة في سوريا تباين المواقف العربية وتناقضها، ما يجعل الأمل بنهاية قريبة لهذه المأساة بعيداً حتى الآن.
إنّ حرب النفوذ وصراع القوى الكبرى في منطقتنا العربية قد أصبح واضحاً، وقد نقول إنّ الحال السورية ربما صارت بمثابة رأس العقدة في المنطقة بانفراجها ستتفكك كثير من العقد، فالصراع في سوريا وهو صراع نفوذ بين قوى كبرى، إلا أنه أيضاً يدار بالوكالة بين قوى إقليمية ولكل وكيل مقاولوه من الباطن، ولا شك أن تحالفاً عربياً تركياً لو ظهر مستقلاً برؤيته ودخل التنافس في صراع النفوذ والهيمنة، فسيكون لصالح المنطقة واستقلالها وحمايتها، رغم محاولات إيران الاستفادة من غياب هذا التحالف المأمول، في جني ما يمكن جنيه من فتات صراع الكبار واستثماره لصالح مخططاتها التوسعية، فالتحالف العربي التركي المنشود لو تحقق لاستطاع تحجيم التأثير الإيراني ودحره، لكن هذا يتطلب موقفاً حاسماً إزاء روسيا وأمريكا، وهذا الموقف لن يظهر ما لم تظهر الإرادة المستقلة مع تحمل مخاطرها، حين تشتد العواصف الماطرة وتجري السيول، فمن الصعب أن تقف في الوحل لترمّم الدار الطينية المتهالكة.
إنّ من الخيال والوهم تصور أنّ المنطقة العربية ستعود إلى حالها قبل 2010م، والجنون أن يتصور أحد أننا قد نعود إلى ما قبل الثاني من أغسطس 1990م، الرسم الجديد للمنطقة قد أخذ وضعه بشكل فعلي وهو في طور التشكُّل النهائي، وما نعايشه الآن ليس إلا مخاض المولود الجديد، وأن في العودة للنشأة الأولى للأقطار العربية التي قامت إثر سقوط الإمبراطورية العثمانية، مثال لواقع اليوم من جهة الرسم غير المباشر من قِبل القوى الكبرى لخريطة المنطقة، وإن كان رسم اليوم يختلف من كونه رسماُ للتجزئة الجغرافية في ذلك الوقت، إلى رسم (ديموغرافي) يتكئ على المذهبية والطائفية لتمزيق المجتمع الواحد، والهدف كما رسمه برنارد لويس القضاء التام على الهوية الثقافية التي تشكل أمة تستند على تاريخ، وتطمح أن تنمو وتتطور لتعود من جديد لمصارعة الأمم (المتحضرة) حسب وصفه، التغاضي أو تجاهل تعنتر إيران في المنطقة حتى وإن ظهرت بعض التصريحات المهدئة من قِبل أمريكا - إدانة أو رفض -، هذا لا يخفي حقيقة استخدام المذهبية والطائفية، ولا يخفي أيضاً استحالة انتصار الأقلية على الأغلبية بقدر ما يعمل هذا التطاحن على تفتيت وتشتيت الأمة وتعطيل نهوضها إلى عقود وربما قرون، من الجنون حقاً أن تفكر في دفن البحار والمحيطات بالتراب، ولكنه قد يكون عملاً مفيداً لحرق الوقت .
إنّ إيران الخمينية قد أثبتت أنها عدو وجار مضر، ولا ينتظر أن ترتقي للمسئولية في سلوكها وسياساتها، فهي بمثابة الوباء في جسد الأمة، وإذا أردنا أن نقيم تحالفاً عربياً تركياً آمناً، وأن ننهي مآسي المنطقة، فلا مناص من مساعدة الشعب الإيراني الصديق في التخلص من حكم ملالي الحقد والكراهية.