د. محمد عبدالله العوين
على نقيض المثل الدارج «جوع كلبك يأكلك» وعلى خلاف ما يعرف عن وفاء الكلب لصاحبه ولما يمكن أن يجد المتلمس للكلب حين يجوع إلى حافة الموت من أعذار تسوغ له -على الرغم من وفائه- أكل لحم صاحبه؛ إلا أن صورة المتطرف المتشرد المطارد من أنظمته السياسية الجائع تخالف حالة الكلب المسكين الذي لا يجد سبيلاً للحياة إلا بالانقضاض على لحم صاحبه دفعاً لغائلة الموت؛ إذ إن المتطرف حين يسمنه صاحبه ويرعاه ويكبر لحمه وشحمه ويمنحه الرعاية ويسخو عليه بالأموال مع أخذ العهد والميثاق عليه بأن ينفذ لسيده ما تعهد به لا يجد من القيم أو الأخلاق ما يشفع له بالوفاء لسيده الذي رباه وسمنه وكبر لحمه وشحمه؛ فأول من يضحي به وينقض عليه ولي نعمته وحاميه وراعيه ومنشئه والمخطط له وواضع برامجه!.
وهذا ما واجهه الأمريكان والأوروبيون من القاعدة؛ فقد انقلبت على من اعتنى بها ومنحها الأموال والأسلحة والحماية وأمدها بالخبراء في الحروب والتكتيك العسكري لمواجهة تمدد الاتحاد السوفيتي أواخر التسعينيات والعشر الأولى من القرن الهجري الجديد؛ فحين انهزم السوفييت وعادوا إلى حدودهم انقلب السحر على الساحر؛ فانقضت القاعدة على العالم إرهاباً وتخريباً بعد أن وحدت صفوفها وتجمعت في تنظيم واحد «القاعدة لمحاربة الصليبين واليهود» عام 1989م ثم توسع التنظيم المتطرف في أعماله الإجرامية على مستوى العالم؛ فأصبحت أفكاره جاهزة للتسويق الإعلامي مع تطور وسائط التواصل الحديثة كالإنترنت الذي ساعد على نشر وتواصل كل من آمن واقتنع بأفكار التنظيم؛ لينتشر كخلايا المرض الخبيث في الجسد العالمي؛ فلم يعد يعرف من أين يمكن أن يأتي البلاء، أو أين يراق الدم، وهكذا تناسلت خلاياه التي لا تجد مكاناً أفضل للعمل من المواضع المضطربة بالفوضى والانفلات السياسي الذي شهدته مناطق متعددة من عالمنا العربي والإسلامي بعد أحداث 11 من سبتمبر التي ارتكبتها القاعدة بتهيئة لوجستية ومساعدة من جهات دولية أخرى؛ لعل من أهمها «إيران» التي احتضنت التنظيم بعد طرد قادته وكثير من عناصره من السودان؛ فشنت أمريكا حملاتها العسكرية وصبت نار حممها على جبال وأودية أفغانستان التي يا طالما ساعدت الثائرين فيها على الاتحاد السوفيتي من أفغان وأفغان عرب، ثم صبت نيرانها على الثائرين عليها أيضاً من أتباع التنظيم في العراق من تلاميذ مدرسة القاعدة كجماعة أبي مصعب الزرقاوي ومن اعتنق تفكيره وسار على خطاه «الجهادية» في مواجهة الاحتلال الأمريكي للعراق آنذاك.
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ومن لف لفها ممن يسير في ركابها من دول الغرب كبريطانيا على الأخص تكرر أخطاءها القديمة؛ فتعود من جديد إلى من يحملون هذا الفكر المتطرف لتستعملهم في تنفيذ أجندة مخطط «الشرق الأوسط الجديد» وتكلف أو تنسق أو تومئ أو تتسامح بأي من هذه العبارات المناسبة لتصوير تنشئة وتكوين النسخة المطورة المصعدة إلى أعلى درجات التطرف من فكر القاعدة التي تحولت من مرحلة إلى مرحلة إلى أن وصلت إلى أخذ مسمى « الدولة الإسلامية « لا في العراق والشام كما كان الاسم المختصر لها إبان أميرها السابق «أبي حمزة المصري» بل إلى الدولة الإسلامية، التي تطمح إلى أن تكون سيدة العالم كله بقيادة خليفة المسلمين المزعوم «أبي بكر البغدادي»!.
أرأيتم كيف انقلب السحر على الساحر من جديد فغزا داعش أوروبا؛ عاد إلى اليد التي ربته وحمته وأمدته بالرعاية.
لقد أصبح الأمر بمثابة الحقيقة؛ فقد أوكلت أمريكا وبريطانيا إلى عملائهما كإيران ومستعمرتيها العراق وسوريا تكوينه وإمداده بالأموال والأسلحة، كما حدث في قصة انسحاب الجيش العراقي من الموصل وما تركه من خزائن البنوك والأسلحة والذخائر لأبي بكر البغدادي، وكما حدث قبل الموصل في سوريا فقد تغاضى جيش بشار عن تمدد داعش وتركه يدخل إلى الرقة وكأنه لم يره أو عمل مناورة كاذبة لمقاومته من قبيل ذر الرماد في العيون!.
للحديث بقية،،،