د. محمد عبدالله العوين
وبعد أن طويت أوراق مؤتمر القمة الرابع للدول العربية ودول أمريكا الجنوبية بالرياض، الذي عقد بمركز الملك عبد العزيز يومي 28- 29 / 1 / 1437هـ برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -، وإعلان بيان الرياض الذي جاء في خمس عشرة صفحة وما يزيد على خمس وسبعين نقطة في غاية الأهمية؛ لا بد لي كمتابع حظي بحضور جلستيه الافتتاحية والختامية، وما دار في قاعاته غير الرسمية من حوارات مع نخب سياسية وإعلامية، أن نقرأ «إعلان الرياض» كوثيقة سياسية مهمة من جانب، وأن نقرأ أيضاً ما هو غير سياسي مما لحظه كثيرون ونال إعجابهم؛ وهو التفوق في تنظيم المؤتمر والجمال الأخاذ في التحفة المعمارية الذي انعقدت في أبهائه جلسات المؤتمر.
في الجانب السياسي؛ خرج المؤتمرون بعد جلسات مطولة في اليوم الأول ثم جلسات امتدت في يوم ختامه من الساعة العاشرة والنصف صباحاً إلى قرب الثالثة عصراً، وقد تبادل المدعوون في القاعات خارج القاعة الرسمية تعليلاً قد يكون مصيباً في تفسير امتداد الجلسات لما يزيد على أربع ساعات ونصف، بأنه سعي من رئاسة المؤتمر إلى الخروج بتوصيات شفافة لمجمل ما تصطخب به الساحة السياسة العربية من أحداث جسام، تطورت مع مرور الوقت إلى أن كادت دول أن تتمزق أو تختفي بتأثير فوضى ما سمي بالربيع العربي؛ كسوريا وليبيا واليمن والعراق، وتدخل دول إقليمية في شؤون المنطقة العربية كإيران واحتلالها جزراً عربية، ودعم ميلشيات طائفية إرهابية ارتكبت جرائم تحاسب عليها أمام القضاء الدولي، وقد شكل التدخل الإيراني في سوريا لدعم نظام بشار تعميقاً لمأساة الشعب السوري وإطالة لأمد الأزمة؛ مما نتج عنه مقتل أكثر من ثلاثمائة ألف واختفاء ما يقرب من مائة ألف وتهجير ثلاثة عشر مليوناً وتدمير أكثر من 60 % من المدن والقرى السورية، بفعل ما تقّذفه طائرات الدكتاتور من براميل الموت، وما تقترفه الفصائل المتقاتلة التي تكاثرت وتناسلت بتوسع نطاق الأزمة، وما أحدثته من تحريض طائفي وديني وشعوبي، وهكذا حظيت قضايا المنطقة العربية بنصيب كبير من اهتمام دول أمريكا الجنوبية، واتضح ذلك جلياً في «إعلان الرياض»، ونالت قضية فلسطين النصيب الأوفر من الاهتمام والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في السيادة على أرضه بحدود 1967م، واعتبار «القدس الشرقية» عاصمة لدولته، والدعوة إلى الحفاظ على المقدسات الإسلامية، ومناشدة العالم الحر إلى أن يعلن موقفاً جاداً لنصرة الفلسطينيين، والوقوف معهم أمام ما يعانونه من اضطهاد إسرائيلي، واستبداد القوة وبطش التسلط الذي لم يسلم منه النساء والأطفال وكبار السن.
ومواقف دول أمريكا الجنوبية من قضايا العرب ليست جديدة؛ فلا يمكن أن ننسى مواقف «هو جو شافيز» الرئيس السابق لفنزويلا، ولا مواقف رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز الإيجابية من الشعب الفلسطيني، مما دفع المنظمات الصهيونية إلى اتهامها بدعم الإرهاب، وكذلك موقفها الصريح والمعلن مما تعانيه السياسة الأمريكية من ازدواجية والتواء وعدم وضوح ومخاتلة وتقلب، وانحياز إلى الظالم، وتعميق لأزمات كثيرة في المنطقة العربية وفي القارة الأمريكية الجنوبية وفي أفريقيا، وليس من تفسير لشجاعة كهذه نحو الانتصار للمظلوم وإدانة الظالم، إلا أن قطرات من الدماء العربية الأندلسية الأسبانية والمهاجرة من الشرق العربي، لم تضل طريقها إلى شرايين وأوردة تلك الشعوب الأمريكية الجنوبية، وإن غيب الزمن الطويل المتعاقب الذي ربما نيف على أربعة قرون من الهجرات الأندلسية وقرن على الهجرات من المشرق؛ فإنّ ملامح في الوجوه وطرائق في العيش وعادات في الأسرة وحروفاً شاردة في سياق الخطاب، لا تخفى على المتابع الفطن لتلك الشعوب المتهاجنة المتداخلة المتكونة من أعراق وأمصار وثقافات وبيئات شتى.
وفي الختام إنّ مما نفخر به حقاً ريادة بلادنا في الدعوة إلى الحق ومقدرتها على إدارة أكبر المؤتمرات في وأروع التحف المعمارية، وأجمل صور التنظيم والسلاسة والأمن.