د. محمد عبدالله العوين
أعلم أن هذا السؤال كبير جداً، وأنه من الاستهانة بكثير من الحقائق على المستويات العلمية الإجابة عنه بدون التوقف عند ما يلزم التوقف عنده للإلمام بالأسباب التي ما زالت تدور بنا في خانة «الناشئة»، وتمنعنا من أن نصل إلى أولى درجات السلم في تصنيف «المتقدمة».
ولكن طبيعة المقالة الصحفية تمنح لكاتبها العذر، وتبيح له شيئاً من التجوز؛ إذ هو ليس في وارد كتابة ورقة بحثية تلقى في منتدى علمي، وحسبه أن يشير إشارات عابرة، تفتح آفاقاً للتفكير الجديد، وتذكر بأسلوب صريح شجاع حيناً أو مضمن لطيف حيناً آخر بما يحسن عمله، من باب الشراكة في المسؤولية الوطنية، ومن باب التطلع إلى مستقبل أكثر تحضراً وتقدماً وإنتاجاً، ومن باب اجتراح أفكار لا يقعدها تراخي الحاضر ولا أزماته ولا ضعف توثبه أو تسلط يأسه، بل تنطلق بكل شعور بالثقة والابتهاج والآمال الطيبة المشعشعة بجميل ما سيأتي.
في قضية «التقدم» و»التخلف» ودول العالم الأول والثالث، أو حتى العاشر، لا شيء مستحيل على إعادة ترتيب الصفوف الدولية في خانة تقدم الحضارات أو تخلفها؛ فثمة دول كانت قبل نصف قرن معدودة في حكم المتخلفة، كالهند وكوريا وإندونيسيا وتركيا وماليزيا وجنوب إفريقيا، ثم دخلت تصنيف الخانة الثانية في منظومة الدول الصناعية.
ولكي لا نذهب بعيداً لنتذكر تاريخ اليابان الحديث ونهضتها التي بدأت بعد نهضة العرب في عهد محمد علي باشا بما يقرب من خمسين عاماً، ثم أفادت من تجربة الابتعاث المصري، وقطعت الشوط إلى استنساخ ونقل كثير من التجارب العلمية الأوروبية، ومضت في هذا الطريق الناهض حتى بلغ بها طمع التوسع وشراهة الهيمنة، ووقعت في فخ الصدام مع القوة الأولى الناشئة في العالم آنذاك الولايات المتحدة الأمريكية؛ فدُمرت بالكامل بقنبلتي هيروشيما ونجازاكي عام 1945م في أواخر الحرب العالمية الثانية. والعبرة المستفادة من التذكير بشيء من سياقها التاريخي مقدرتها على النهوض من جديد من كبوتها المميتة التي لم يعد يرجى لها من بعدها حياة، لكنها نهضت بالتوجه إلى حياة جديدة لا مطامع فيها ولا غلبة لشهوة الاستبداد، بل العلم والانضباط والجدية والإنتاج.
وقياساً على ذلك، فإن تقدمنا الصناعي ليس مستحيلاً إلى الدرجة التي نقف معه في الصف الثاني على الأقل إن لم يكن الطموح كبيراً ونحتل مكانتنا التي يجب أن نكون فيها مع الواقفين في الصف الأول.
وربما أصبح الحديث عن الاعتماد على مصدر دخل واحد، يشكل النسبة العظمى من واردات ميزانية الدولة، أمراً معاداً لا جديد فيه، بل إن الجديد أن ندون نحن معاً - كل في مجال تخصصه وقدراته الفكرية - خطط عمل واقعية وجريئة ومغامرة للخروج من أسر سبعين عاماً ونحن ندور في فلك استخراج البترول وتصديره، ثم دخلنا إلى تكرير شيء قليل منه، وتصنيع شيء قليل أيضاً مما يتصل به، وحان الوقت لكي يكون البترول مصدراً واحداً من مصادر الدخل الوطني القوية المتعددة، ومنها الصناعة، لا المصدر الأول الذي يشكّل النسبة العظمى من الدخل.
وفي وسعنا أن نبدأ أو نواصل ما بدأناه صناعياً على النحو الآتي:
- تتوسع الدولة في التصنيع العسكري بأشكاله كافة، وتبتعث لذلك آلافاً من الدارسين، وتنشئ معاهد أو كليات للصناعة العسكرية، وترصد لها مليارات الريالات، بحيث يمكن أن نحصل على بعض كفايتنا في السلم والحرب.
- تدخل الدولة شريكاً قوياً ومؤثراً مع الشركات الأجنبية والوطنية ورجال الأعمال لإنشاء وتكوين مصانع السيارات والإلكترونيات وأجهزة الاستخدام المنزلي المتنوعة.
إن شراكتنا التجميعية لمصنع أوزيسو الياباني في الدمام، أو جاكوار البريطاني، لا تكفي؛ بل علينا أن نذهب بعيداً إلى شراكات أخرى عالمية؛ لننقل تجربتها كاملة في صناعة السيارات وقطع غيارها من الألف إلى الياء.
انتهت مساحة المقال.