د. محمد عبدالله العوين
نكاد نقترب الآن من الحقيقة المغيبة أو التي غابت خمسة عشر عاما، ودارت حولها وعنها الأقاويل، وألفت عشرات الكتب، وسطرت آلاف المقالات، للإجابة عن هذا السؤال اللغز: من وراء أحداث 11 من سبتمبر؟!
لم تعد الإجابة مهمة كما كانت قبل؛ فقد أوشك العالم أن ينسى جراحاتها الدامية، وأن يتجاوز ما خلفته من آلام ونتائج؛ ولكن أهمية معرفة حقيقة الحدث لو تسنى للعالم ذلك، أنه قد يساعد على تفسير أحداث أخرى ناشئة بعده، تتشابه معه في النتائج، وتختلف معه في الأساليب.
واسمحوا لي أن أسعى مجتهدا إلى الاقتراب من الحقيقة المغيبة بالربط بين الأقوال والأفعال، واستنتاج الأحكام بعد ذلك.
في البدء نعلم يقينا أن ملالي إيران استضافوا عناصر قيادية من القاعدة بدءا من عام 1996م، بعد أن اضطروا إلى الخروج من السودان، وقبل أن يخرج بعضهم لاحقا من إيران إلى أفغانستان، وأنها سمحت لهم بإقامة معسكرات على الحدود بين أفغانستان وإيران لتسمح بالمرور لمن أراد الانضمام إلى القاعدة، وأنها آوت عناصر قيادية من التنظيم، متناسية الاختلافات المذهبية والأيديولوجية، وسعيا منها إلى تحقيق أهدافها البعيدة في المنطقة والعالم؛ كما هو شأنها في الاتفاق مع جماعة الإخوان في مصر، وفرعها حماس في فلسطين، وإذا كانت تتطلع إلى فوائد لا تخفى من إيوائها قياديين في القاعدة وبعض أسرهم؛ كما هي أسرة أسامة بن لادن أو نسيبه المصري أبي محمد؛ فإن القاعدة كانت أيضا لا تبدو مطمئنة كل الاطمئنان إلى عدم خيانة الملالي واستخدام عناصر القاعدة ورقة ضغط للمساومة مع جهات دولية؛ كما حدث بالفعل حين أطلقت سراح خمسة عناصر أو لنقل رحلتهم إلى المجهول بعد اتفاق صفقة مع القاعدة لإطلاق السفير الإيراني في اليمن الذي اختطفته القاعدة.
والعناصر الخمسة من باب التأكيد على تلك العلاقة؛ كي أصل إلى الاستنتاج والحكم بمرجعية أحداث 11 سبتمبر في أمريكا والأحداث الإرهابية التالية لها في لندن وباريس وغيرهما؛ هم: محسن الفاضل أحد قيادات جماعة خراسان الفصيل الأكثر تشددا في تنظيم القاعدة الذي استهدف بطائرات أمريكية، وأبو الخير المصري المسؤول السابق لمجلس علاقات القاعدة الخارجية، وسيف العدل المخطط العسكري البارز والخبير في إطلاق الصواريخ وأحد المشاركين في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات والمتورط أيضا في الهجوم على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا، وأبو محمد المصري الرجل الثالث في القاعدة والقريب من ابن لادن بحيث تزوج أحد أبناء أسامة بن لادن ابنته، والأردنيان خالد العاروري نائب قائد فرع القادة في العراق إبان رئاسة أبي مصعب الزرقاوي له، وساري شهاب أحد مقاتلي فرع القاعدة في العراق، والكويتي سليمان أبو غيث الذي زجت به إيران في صفقة مع أمريكا ليرمى في سجونها مع زعاماتها المعتقلين هناك كعمر عبدالرحمن وخالد شيخ محمد ورمزي يوسف وزكريا موسوي ومحمود أبي حليمة وغيرهم.
لقد استخدمت إيران القاعدة لإحداث أكبر ضرر بدول المنطقة العربية ومنها المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وغيرها، وامتد خيال ملالي طهران الجامح إلى استخدام القاعدة ورقة ضغط على الولايات المتحدة والغرب قابعة خلف الستار، وكأن التطرف السني التكفيري هو من يرتكب تلك الجنايات؛ فيضطر الغرب إلى الانتقام والتدخل العسكري في المنطقة؛ كما حصل بعد أحداث 11 من سبتمبر في أفغانستان، وكما يحصل الآن في سوريا والعراق بعد تكرار استهداف عدد من العواصم الغربية، وعلى الأخص لندن وباريس.
أين دور بشار إيران الآن بعد أن اشتعلت نيران الثورة على نظام بشار الأسد عميلها في سوريا؟!
هنا تكمن الحلقة المفقودة أو المختفية!
لقد أيقن بشار الأسد ومن خلفه ملالي قم أن العودة إلى الماضي القريب قبل الثورة في سوريا أصبح أمرا مستحيلا بعد كل ما حدث في سوريا، وأن مقاومة إيران وبشار وحزب الله ليست إلا دفعا مؤقتا لساعة الانتحار القريبة الآتية.. يتبع