سلمان بن محمد العُمري
يعمد الباحثون في مجالات العلوم الإنسانيّة والعلميّة على حدٍّ سواء إلى طرح تساؤلات افتراضية في مجال بحوثهم للوصول إلى حقائق علميّة غير ظاهرة واستشراف الحلول المستقبلية، وحين يكون هناك مشكلة ماثلة أمامنا فإن العلاج لها يحتاج أن نستدعي الأسئلة كافّة المحيطة بها وبجوانبها حتى نصل إلى علاج مناسب، والأفكار الضالة والأعمال الإرهابيّة مع قصور علاجها تتطلّب أن نطرح مجموعة من الأسئلة حولها، ومنها:
لماذا انساق بعض أبنائنا وراء أفكار منافية لتعاليم ومبادئ الإسلام، فأقدموا على هذه الأعمال الإرهابية والتخريبية التي أزهقت أرواح العشرات، وروعت الآمنين، ودمرت الممتلكات؟
لماذا وجدت هذه الفئة الضالة من يصدق مزاعمها ويروّج لشعاراتها التي تخفي سوء ما تقترفه أيديها الآثمة الملوثة بدماء الأبرياء من المواطنين والمقيمين من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء؟
لماذا يعتقد البعض أن مواجهة هذه الفئة الضالة من الإرهابيين والغلاة مسؤولية الأجهزة الأمنية فقط، ويتناسى أن الإرهاب هو الثمرة المرة لانحراف فكري، وجهل بتعاليم الشريعة السمحة ووسطيتها؟
لماذا يتجرأ أدعياء العلم على الفتوى ويتطاولون على العلماء الراسخين، ويضللون الشباب بفتاوى لا دليل على صحتها من القرآن الكريم أو السنة المطهرة أو منهج السلف الصالح؟
لماذا لم تفلح جهود العلماء الكبيرة في وقف مسلسل الإرهاب الإجرامي؟
لماذا لم تؤثر تحليلات الكتاب والإعلاميين وتنظيراتهم في كبح جماح هذا الخطر الداهم؟
لماذا لم تنجح محاولات عدد من الدعاة والأئمة والخطباء في تفنيد دعاوى الإرهاب؟
لماذا لم يتجاوب بعض أئمة المساجد مع التوجيه بالقنوت على الفئة الباغية؟
لماذا يتغافل الآباء عن دورهم في تحصين أولادهم من هذا الفكر الضال وحفظهم من السقوط في الفساد بشتى صوره؟
لماذا يتم التركيز في علاج كارثة الإرهاب إعلامياً على خطابات الإدانة والشجب دون التطرق إلى أسبابها الحقيقة وأهداف هذه الفئة الضالة وطرح الآليات العملية لمواجهتها؟
لماذا يتقاعس البعض من أبناء المجتمع والمقيمين عن القيام بدور فاعل في مواجهة خطر الإرهاب الذي يكتوي بناره الجميع بلا استثناء؟
لماذا نظل نمارس دور المتفرج على ما يحصل دون أن يكون لنا مبادرة جادة في دعم جهود الجهات الأمنية في تعقب هؤلاء المفسدين؟
لماذا يصر بعض شبابنا على إيذائنا بتصرفاتهم الرعناء وسلوكياتهم المنحرفة ونحن بأمسّ الحاجة إلى طاقاتهم في مواجهة هذه الفئة الباغية؟
لماذا لا يكون هناك تعاون وثيق بين التربويين والمفكرين والمثقفين وبين العلماء؟
لماذا لا توحد الجهود وتردم الفجوة المفتعلة؟
لماذا هذه القطيعة بين الفريقين؟
لماذا هذا التفاوت في التحليلات للأوضاع الراهنة بما يصل حد التناقض؟
لماذا لا توضع آلية موحدة للجميع لمحاربة جميع الأفكار والسلوكيات التي تعصف بشبابنا؟
لماذا لا تعقد الندوات واللقاءات لمناقشة ما يوجد في أذهان الشباب من ترسبات فكرية خطيرة واختلالات نفسية مخيفة ومعالجتها بالحكمة والروية بدلاً من تبادل الاتهامات والإغراق في التنظيرات وتمجيد الذوات وتصفية الحسابات واستغلال الحدث لمآرب شتى؟
إن شبابنا يحترقون أمام أعيننا ووطننا يتعرض للطعنات من أبنائنا الذين أمكن التلاعب بهم ونحن نتفرج كأننا أمام مشهد درامي أو فيلم بوليسي.
لماذا لا يُعاد النّظر في بعض البرامج التي تنفّذها بعض القطاعات بشكل روتيني لم يحقّق الهدف، وإعادة تقييم لها بشكل جاد ووضع برامج تناسب المخاطر الحالية؟
لماذا لا نقف جميعاً في وجه هذا الطوفان المدمر قبل أن تغرق السفينة؟
لماذا لا نترك خلافاتنا وتناقضاتنا ونكون يداً واحدة ضد الإرهاب والمفسدين؟
لماذا لا تكون هناك دراسات اجتماعية وتربوية وفكرية تطرح خلاصتها في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديد وطباعتها بكتيّبات بلغة سهلة يفهمها ويتفاعل معها الجميع؟
وألف «لماذا» أخرى لا تجد إجابة شافية لارتكاب مثل هذه الأعمال الإرهابية، في بلاد الحرمين الشريفين التي انطلقت منها رسالة الإسلام رحمة للعالمين، التي تحكم شرع الله في أمور حياتها.
إن الوصول إلى إجابة شافية لهذه الأسئلة الحائرة هو البداية التي لا بد منها لمعالجة الأفكار الضالة وما ينتج عنها من إرهاب فكري وأمني في جميع مراحله وبجميع أشكاله، وكل منا مطالب بإيجاد الإجابة عن السؤال الذي يخصه في حدود قدرته وعمله والدور الذي يستطيع القيام به وتنفيذ ما يتطلّب عليه، في مواجهة هذا الخطر الذي بات يتهدّدنا جميعاً ويعطي أعداء الإسلام الفرصة والمبرّر، لاتهام الإسلام بتكريس العنف والإرهاب، فليتنا نستطيع أن نجد هذه الإجابات والحلول القوليّة والعمليّة، قبل أن نصطدم بسؤال أكثر صعوبة، وهو لماذا تركنا المفسدين في الأرض يعبثون بها فساداً وإفساداً ولم نقم بما أمرنا الله -سبحانه وتعالى- به من وجوب محاربتهم، والتصدي لهم، دفاعاً عن مقاصد الشريعة وصيانة لسلامة الأمة وحفظاً لهذا الوطن الغالي!!