سلمان بن محمد العُمري
وصلتني صورة مؤثّرة حول خلافات الوالدين، وأنّها معركة ميدانها مشاعر الأبناء.. وتضمّنت الصورة قول معلم لطلابه: كل واحد يكتب دعاء.. فكتب أحدهم: «يا رب أمي وأبوي يتسامحون»!
وما سطّره الطفل في طلبه من والديه بوقف الخلاف والشجار الدائم بينهما وبالقدر الذي كانت الرسالة معبرة ومؤثرة فهذا الطفل امتلك شجاعة أدبية وعبر عما في داخله؛ ولكن هناك من الأطفال من لا يستطيع التعبير ولا الشجاعة الأدبية ولكنه يحترق من الداخل ويؤثر ذلك عليه في طفولته وربما في مستقبله، ولذا فليفطن الأبوان لما يؤثر على أبنائهما فإن لم يعملا على كظم غيظهما وانفعالاتهما فلا أقل من كبت ذلك الانفعال والتشنج والغضب وما يتبعه أمام الأبناء، والمختصون في مجالات علم النفس والتربية والسلوك وغيرهم من عامة الناس يجمعون على أن العلاقة بين الوالدين لها تأثير بالغ على الصحة النفسية لأبنائهم فهي علاقة طردية، فإذا كانت علاقة يسودها التفاهم والحب والاتفاق كان الأثر إيجابياً وإن كانت العلاقة بين الوالدين أساسها الشجار والصراع الدائم واللامبالاة كان الأثر سلبياً على صحة الطفل النفسية لأنه سيشعر بعدم الطمأنينة وعدم الأمن في ظل والديه.
والأسرة من أهم عوامل التنشئة على الطفل وبناء شخصيته وحياته المستقبلية وللوالدين أثر كبير في التوجيه والإرشاد والتقويم، وإذا كان هناك إجماع عام على أثر المنزل في التكوين النفسي والاجتماعي والسلوكي بل وحتى التحصيل العلمي على الأبناء وامتداد هذا التأثير النفسي حتى على شخصيتهم الإيجابية مستقبلاً، فإن الإخلال بهذا الدور من قبل الوالدين سيؤثر بكل تأكيد على أبنائهم.
وخلف كل أبناء متفوقين علمياً وعملياً واجتماعياً وسلوكياً أسرة متميزة تربوياً ومستقرة اجتماعياً، والفقر والغنى ليس لهما تأثير كبير على التحصيل والاكتساب والسلوك بقدرالتأثير الناتج عن الأساليب التربوية للوالدين والعلاقة بينهما.
ولعلّي أنبّه إلى أمر مهم وهو ما يختص بالعلاقة بين الوالدين وتأثيرها على الأبناء فالبيوت التي شهدت اضطراباً في العلاقة بين الوالدين والشجار العلني أمام أطفالهما وتبادل السباب والشتائم أمام الأطفال بل وتعدّى ذلك بالاعتداء البدني فهي بلا شك ستؤثر على البناء السلوكي لأبنائهم، وهو ما يؤكّده المختصون في الدراسات النفسية: إن سلوك الوالدين يؤثر على الطفل تأثيراً مباشراً من حيث الشخصية والصحة النفسية.
فالطفل يتأثركثيراً لمراقبته سلوك والديه، فالوالدان يكوّنان أنموذجا للطفل من خلال ما يقدّمانه أمام طفليهما، فإذا كانت هذه النماذج صالحة ستترك بلا شك أثراً حسناً على شخصية الطفل وعلى سلوكه، وبالتالي كان لها التأثير الإيجابي على صحة الطفل النفسية، وفي حالة فساد هذه النماذج الصادرة عن الوالدين ستترك أثراً سيئاً بدون شك أيضاً على شخصية الطفل وسلوكه، وبالتالي سيتقمصها الطفل وتعتبر اتجاهات سلبية وسلوكا غير عادي «لا سوي» ، وإذا كان الابن يصبح ويمسي على شجار الوالدين وخصامهما أو يرى القطيعة والهجر بينهما وعدم احترامهما لبعضهما فسيؤثر ذلك على نفسيته وسلوكه وفي قابل الأيام، ويؤدي ذلك إلى أنماط مضطربة في السلوك لدى الطفل كالأنانية والغيرة وحب المشاجرة وعدم الاتزان.
ويؤكد المختصون أيضاً على أن -السعادة الزوجية تؤدي إلى خلق الجو المناسب الذي يساعد على نمو الطفل وتكوين شخصيته المتكاملة، فالوفاق والوئام بين الوالدين يؤدي إلى إشباع حاجات الطفل- كالحاجة إلى الأمن، والحماية، والتوافق النفسي، والصراع بين الوالدين والمشاكل المستمرة، تؤدي إلى نمو الخبرات اللاسوية لدى الطفل ويساعد ذلك إلى أن ينمو الطفل نمواً غير سوي.
وكثير اًما يشعر الطفل ويتألم لمجريات العلاقة غير المثالية بين الوالدين فضلاً عن التأثر الحالي والمستقبلي حيث يحدث اضطرابات في النوم وتناول الطعام لدى الأطفال كما يتصرفون بشكل عدواني ولا يفضلون التواجد في أي تجمع، وقد تحدث بعض الإصابات أو التغيرات الجسدية عليهم، ولا يقف الأمر عند ذلك بل ربما امتد السلوك العدواني لمرحلة المراهقة والبلوغ وتطور إلى أعمال إجرامية وجنائية، ومعظم من يتورطون بمشاكل وجرائم من الأحداث والمراهقين بل وحتى الرجال فإن من العوامل المسببة لذلك خلل في التربية بوجه عام ومنها البيت فإهمال الوالدين وانشغالهم وإهمالهم بيد الآخرين دون أن يكون للوالدين بصمة وتأثير أو القيام بسلوكيات خاطئة أمامهما وبالتالي انعدام القدوة أو نهج أساليب مفرطة في القساوة والدلال الزائد وكذلك ما تم عرضه قبل قليل ألا وهو توتر العلاقة بين الوالدين.