سلمان بن محمد العُمري
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه. فالمعصوم من عصم الله تعالى».
طبيعة الحياة تفرض وجود الأشخاص بمواقع مختلفة، وهذا الأمر لا خلاف عليه؛ فهناك الراعي وهناك الرعية، وهناك المسؤول، وهناك الموظف، وهناك المدير، وهناك العمال.. وحجم المسؤولية يختلف من شخص لآخر، مع وجود نوع من المسؤولية على كل إنسان. وبطبيعة الحال، فإن حجم المسؤولية يرتبط بنوع العمل وحجمه وطبيعة الظرف المحيط به. وبمعنى آخر: بالمكان والزمان والأشخاص والموضوع. وتبعاً لحجم المسؤولية فإنه يترتب عليها الكثير من الأمور التي قد تتوقف عليها مصائر بشر، أو هيئات، أو دوائر، أو حتى مجتمعات أو دول أو أمم!!
لقد عرف البشر منذ القدم أنه يلزم للمسؤول تبعاً لحجم مسؤولياته أن يستعين بغيره فكراً أو نصحاً وعملاً ورأياً؛ ومن هنا كانت البطانات. والبطانة هي (الحاشية) التي تحيط بالشخص ذي العلاقة. وهذه الحاشية تقوم بإسداء النصح، أو تقديم الرأي، أو طرح الأفكار، وقد تقدم ما يضر ويؤذي. فحسب نوع هذه الحاشية خيراً أو شراً تكون أفعالها وأقوالها، وقد تجر صاحب العلاقة لاتخاذ قرارات صائبة أو غير صائبة، عادلة أو ظالمة، صحيحة أو خاطئة. وهنا يتعلق الأمر بالبطانة، وفـي الوقت نفسه بالشخص المسؤول نفسه. فالشخص غير المتسرع، والمتفهم والواعي بما يحيط به، والمدرك لتفاصيل الأمور، ربما يتجاوز خداع بطانته وتغليبها لمصالحها الشخصية على المصالح العامة بأهون السبل، ويستبدلها لما فيه الخير!
«الحاشية» لدى البعض هدفها الرئيس مصالحها الشخصية، وتغلبها على المصلحة العامة. يحرصون كل الحرص على تزيين الأمور بخلاف الواقع، لا يقدمون نصحاً ولا رأياً، ويتبعون المنهج الذي يتفق معهم، ويحقق أهدافهم، وبالوقت نفسه يكون التزلف والرياء والنفاق، وتكثر عبارات «سم طال عمرك» و»مالك لوا».. وكلامك هو الصحيح وعين الصواب.
نعم، هكذا حال بعض أفراد الحاشية ممن جُبلوا على الكذب والخديعة وعدم الأمانة! ناهيك عن التدليس وتزييف الحقائق، وتغييب المعلومات الصحيحة، ومحاربة لكل ناجح مخلص، والتخفي والتستر بلباس الطهر والنزاهة، والوداعة واللباقة المصطنعة!!
إن النصح والتناصح هما من الطباع الخيرة والفطرة الأصيلة فـي نفوس البشر، وهما من الأفعال التي يحث عليها ديننا الحنيف؛ لأنهما يحملان فـي طياتهما سعادة للبشر. فتغليب الخير على الشر عمل لا جدال بأنه من أسمى وأرقى الفعال البشرية.
ولكن يجب ألا يغيب عن بال الإنسان العادي أو البطانة أن للنصح سبلاً ووسائل، لا يجوز تجاوزها. فأول الأمور استحقاقاً للمراعاة هي: مخافة الله سبحانه وتعالى. وبهذا يبتعد الناصح عن كل غاية دنيوية، وينأى بنفسه عن أي مطامع أو مكاسب لا ترضي الله - عز وجل -، ويصبح عمله خالصاً لوجه الله تعالى، وبإذن الله يثاب عليه على حسب نيته ومدى إخلاصه.
ثانياً: البعد عن «الأنا» أو الأنانية، وتجنب المصالح الشخصية التي تضر بمصالح الآخرين بحيث ينظر للأمر لتطوير العمل وتقديم الأفضل والأخذ به نحو الأعلى.
ثالثاً: عدم المجاملة، بل الصراحة والوضوح وقول الصدق فـي القول والعمل. وبهذا فقط تكتسب النصيحة المصداقية والثقة، وتحظى بالقبول المطلوب بإذن الله.
رابعاً: تجنب التجريح والإهانة، أو كيل الاتهامات جزافاً، وعدم إلقاء اللوم على رب العمل لإهماله وعدم معرفته وإدراكه لما يجري حوله؛ فهذا يدعوه لبغض الناصح، والحنق عليه، وربما إبعاده، وعدم الاستماع إليه.
لقد عرف بعض من هم في موقع المسؤولية أهمية النصح والنصيحة، ومكانة البطانة الصالحة؛ فصاروا لا ينتظرون من يطرق بابهم لينصح، وإنما تجاوزوا ذلك للمرحلة الأسمى والأرقى فـي عالم النصح والتناصح، ألا وهي مرحلة طلب المشورة والرأي؛ فيستدعي الشخص المسؤول مَنْ يثق بهم ممن حوله طالباً دقائق من وقتهم؛ ليسألهم فـي مسألة ما لأخذ رأيهم، ويجمع كل الآراء ليصل للنتيجة الأصح والأفضل بعون الله. وبهذا يضع من يثق بهم على المحك، ويختبر صدقهم ونصحهم وأمانتهم، وبالتأكيد هم سيحاولون تقديم ما لديهم.
الحياة تسير، ومشاكل العمل فيها لا تنتهي، وهمومها لا تتوقف، والحاجة للنصيحة دائماً إلى ما شاء الله، وطوبى لمن طلب النصح على مبدأ {فَبِمَا رَحْمَة مِنَ اللَّه لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: 159]، وطوبى لمن قدم النصيحة على مبدأ «الدين النصيحة.. لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وطوبى لمن جعل رضا الله هدفه وغايته، ومصالح الأمة والوطن مقصداً له. ومثل هذا جدير بأن ينال سعادة لا يدركها إلا من سعى سعيه.