ميسون أبو بكر
أولئك العابدون المصلون الساجدون في بيوت الله، الذين استحل أمنهم وحرمة بيت الله، ليس لشيء إلاّ لإشباع شبق نفوس ظمئة للقتل والدم والفساد في الأرض.
وأولئك في فلسطين الذين هجّروا وشرّدوا واستحل المحتل دمهم ثم ما لبث اتهمهم بأنهم هم الإرهابيون وهو المظلوم.
في سوريا التي لم يُبق طاغيتها أخضر ولا يابساً ولا طفلاً ولا كهلاً إلا استشهد منهم من استشهد وشُرّد من بقى، أو أولئك الذين لم يهجّروا ينتظرون حتفهم وراء جدران بالية وسماء عارية تمطرهم قنابل وصواريخ من جهات متعددة.
وفي اليمن براثن إيران ودعمها الحوثي، وأطماع الرئيس المخلوع ومئات القتلى وكل الدماء التي أهدرت وتخضّبت بها الجبال الخضراء والأرض النضرة.
بيروت وليبيا والعراق وكل المدن العربية المهدّدة بشبح الإرهاب والعمليات التفجيرية التي استهدفت الآمنين باسم التنظيم الإرهابي داعش.
باريس معقل النور وموطن الجمال والفن والحياة وقبلة السياح، ولا زال سواحنا الخليجيون لهم ذكريات في مقاهيها والشانزلزيه والبرج النشوان، والمحلات التجارية التي تفتح أبوابها خصيصاً لهم لما بعد منتصف الليل، في أوقات الإجازات على غير عادة باريس التي تغلق محالها عند السابعة مساء.
الإرهاب الكافر استهدف كل تلك المدن بأشكال متعددة والفاعل أحادي الفكر، يستهدف الإنسان والمكان ويعيث في الأرض فساداً، ديننا الإسلامي من أولئك الكفرة براء، لأنهم يمارسون إرهابهم في بيوت الله وضد الأبرياء، فإما وجدتهم أطفالاً تحت العشرين عاماً وضحايا وسائل التواصل الاجتماعي التي جنّدتهم عبرها كائنات لا نعلم أين مستقرها ومقامها، وإما هم قادمون من بلاد الغرب حيث جنّدتهم قوى الشر، وقد وجدنا الأوروبي والأمريكي تحت لواء داعش، فأولئك الإسلام منهم براء، فقد حيّرت داعش العالم حول نشأتها ومنبتها، والدراما التي تنتهجها وكأنّ قوى خفية تحاول العبث بهذا الكون وهدوئه.
اتحدت الدول العظمى على تجنيد الطاقات والإمكانيات لمحاربة هذا التنظيم البشع، بينما تجاهلت في سوريا فتك النظام الفاسد للبشر الذين هجّروا عبر طرق الموت المختلفة علّهم ينجون بما تبقى من أسرهم مغامرين مخاطرين بأرواحهم؛ وتعبث داعش وتتوجه الجهود لقصفها ولا تقضي عليها، رغم حاجة البلاد لتحالف ضد النظام أكثر منها ضد قبائل متنقلة تحمل علماً أسود وقوافل من فارين تحت السن القانونية، حلمهم الحور العين التي وُعدوا بها، وزعيم جاء من أسمال التاريخ يلبس ساعة رولكس ويرتدي العمة ولا يمت لهذه الديار بصلة.
في بيروت مأساة أخرى فهي التي كانت زهرة الشرق تدفع ويدفع أهلها ثمن وقوف حزب الشيطان ضد إرادة الشعب في سوريا، فيخشى بيروت عشاقها ويرهبهم السفر إليها نظراً لانعدام الأمن، ولكن داعش الحقيقية فيها هم أولئك المنتمون للقومية الفارسية.
الإرهاب ضد الحياة.. ضد الإنسانية.. الإرهاب ضد الأديان، وعالمنا بغنى عن كل هذه المجازر التي تحوّله لغابة، الإنسان خلق ليعمر في الأرض، ويبني لا ليهدم، كرّمه الله لا ليعيث فساداً.
نحن مع باريس وفلسطين وبيروت وسوريا، وكل المدن النابضة بالحياة العامرة بالإنسان والجمال لا ننحاز لواحدة دون أخرى، وفي أحداث بيروت وباريس وغيرها تجاوب كلٌ منا كما أملته مشاعره مندداً بالقتل والموت والتخريب، فإنّ لنا على هذه الحياة ما نعيش له.
من آخر البحر
رحلت
قلبي صار استراحة للعابرين
يطفئون جمرة سجائرهم
يتركون رمادهم
ثم يمضون بلا عودة