جماعات تشكيلية باسم المدينة المنورة والرياض ومكة ومدن أخرى ">
كتب - محمد المنيف:
لا شك أن اتخاذ اسم المدينة أو الدولة كعنوان لنشاط أو اسم لمشروع تجاري يعني الكثير من الأهمية وتحل من اختاره مسؤولية الرفع من شأن ما يحمله ذلك الاسم أو الصفة، وقد تكون الأسماء التي تطلق على مشروعات أو فعاليات ثقافية لها أهمية خاصة في مجالها لقربها من عواطف المتابعين أكثر من كونها اسما لمنتج تسويقي ربحي، فالثقافة لم تكن يوما مصدر رزق أو مكاسب مالية ولو كان كذلك لما شاهدنا الفنانين والكتاب والروائيين أفقر المبدعين وأقل المجتمعات تحقيقا للمكاسب سوى رضى الذات التي لا يمكن صرفها في أي بنك.
وخلال مسيرة الفن التشكيلي السعودي وتشكل الجماعات التي تأتي تبعا للتجربة في كثير من الدول العربية فيما يختص بالتسميات فقد تشكل عدد من الجماعات التي تحمل أسماء مدن، منها جماعة فناني المدينة المنورة من أوائل الجماعات، جماعة درب النجا من أقدم الجماعات في المملكة، جماعة تعاكظ في الطائف، جماعة جازان، جماعة فناني الدوادمي، جماعة عنيزة، جماعة فناني القطيف بالمنطقة الشرقية، جماعة الرياض للفنون التشكيلية، جماعة سدير للفنون التشكيلية، جماعة الجوف للفنون التشكيلية، جماعة الخرج للفنون التشكيلية.
هذه التسميات تتنوع منهجية وكيفية تنظيمها وتشكيلها حيث لا يمثل غالبيتها فناني تلك المدن بقدر ما تعني الاسم ذاته فقط فبعض تلك الجماعات لا يتجاوز أعضاؤها العشرة فنانين رغم أن المدينة التي أنشئت فيها تلك الجماعة تتجاوز المئات، وهذا يطرح التساؤل أحيانا وأحايين أخرى يعد مبادرة من أصحابها بأن يشاركوا في رفع اسم المدينة من خلال نشاطهم الإبداعي الثقافي بين بقية المدن وهي منافسة شريفة لا تؤثر أو تخلق جوا من المنافسة المشوبة بالتعصب كونها مبنية ومعنية بإبداع راق لا يقبل إلا تحقيق الأهداف السامية.
حضور بطيء أو غياب محرج للجماعة
ولو عدنا لتلك التسميات أو الجماعات لوجدنا أن اغلبها قد توقف والبعض الآخر يمشي الهوينى، ما يدفعنا للإحساس بالحرج الذي يشعر به بعض أعضائها، كونها تحملت مسؤولية حمل اسم المدينة أو المحافظة وعليها أن تكون بمستوى المسؤولية، وقد يكون توقف أكثريتها عائدا لبعد المؤسسين عما يمكن أن يتحملوه من المجتمع الفني كان أو الثقافي أو المتابعين من عامة المجتمع من محبي الفنون والغيورين على مدنهم والحريصين على أن يكون لمدنهم مجال إبداعي يحمل اسم المدينة وينقله إلى أعين الآخرين في كل موقع قدم في كل منطقة في الداخل أو الخارج كما فعلتها جماعة المدينة ونقلها معارضها باسم المدينة لعدد من الدول العربية وجماعة الرياض.
كما يمكن أن نعتبر اقتصار أعضاء بعض تلك الجماعات على عدد معين مبني على العلاقات الشخصية أو توجه ووجهة نظر من أسس أو أنشأ تلك الجماعة فيثير بقية الفنانين الذين ينتمون لتلك المدن والقريبين من تلك الجماعة ما قد يحرج المؤسسين أو يحدث نفورا من البقية تجاه المجموعة يضاف إلى ذلك حالات الحرج التي يواجهها المؤسسون لتلك الجماعة حينما يطالبون المؤسسات الرسمية أو القطاع الخاص بالدعم فتكتشف تلك الجهات أن الجماعة لا تمثل فناني المدينة وإنما تحمل الاسم فقط، أما الجانب الأهم في الاختيار فهو في جانبين؛ أولهما أن عدم دراسة تأسيس جماعة باسم مدينة أو محافظة لم تكن وافية من حيث الأهمية والمسؤولية وتحديد الهدف ووضع خطة طويلة الأمد لتحقيق الأهداف التي من أبرزها الحفاظ على اسم المدينة بما يوازي ما لها من تقدير في نفوس أهلها الذين يرون في الجماعة إضافة ثقافية لبقية الفعاليات لتي تحمل اسمها كما نرى مهرجانات مشابهة مثل مهرجان جدة ومهرجان الرياض إلى آخر المنظومة تتكرر كل عام وينتظرها أبناء المدينة وتسعى مؤسساتها الرسمية والخاصة للتنافس لإنجاحها، لهذا كان لبعض تلك الجماعات إن لم نقل غالبيتها، إلا من واحة أو اثنتين يمكن القول إنها تحرص على تأدية أمانة الاسم وتقديره..
هذا أيضا ينظر من خلاله أن اختيار الاسم لتلك المجموعة أو الجماعة المحدودة القصد منه استغلال الاسم لمصلحة عدد معين قد لا يشمل أسماء لها قيمتها وحضورها المجتمعي والإعلامي والفني أيضا في تلك المدينة.
علاقة الاسم بمصادر الإلهام
في بداية تأسيس تلك الجماعات باسم المدن أو المحافظات دفع من تلقى الخبر من الجمهور العامة أو الفنانين أن تحديد الاسم وربطه بالمدينة يعني أن لها خصوصية تتعلق بمصادر الاستلهام التي تبرز بعضا من ملامح الجمال فيها وأنماطه أن كان بيئيا (طبيعة) أو معماريا أو تقليديا وتراثا إذا اتفقنا أن المملكة تشكل قارة مترامية الأطراف لكل منطقة مواصفاتها ومصادر الإلهام التي تختلف بها عن المناطق الأخرى، وهذا ما يمكن اكتشافه في اللوحات التي يشارك بها الفنانون والفنانات في المعارض الجماعية، حيث نرى تنوع المصادر وتعدد ملامح الجمال وتعدد منابع التراث واختلاف العادات والتقاليد وأنماط البناء وصولا إلى الأزياء.
هدوء أم غياب نهائي
لا يمكن أن نخفي عتب الكثير من المثقفين والفنانين في تلك المدن التي اتخذ بعض الفنانين اسمها عنوانا لجماعاتهم ولدينا الكثير من ذلك العتب عبر استبانة عشوائية اخترنا فيها أسماء فنانين ومثقفين ومن عامة الناس لديهم للفنون مساحة من الاهتمام بالفنون في عدد من المدن الكبرى وبعض من المدن الصغيرة والمحافظات التي أنشئت فيها جماعات تشكيلية تحمل اسمها، أشار من في المدن الكبرى إلى اعتزازهم بتلك الجماعات التي كانت تمثل رمزا من رموز الثقافة في مدنهم جنبا إلى جنب مع كل مظهر من مظاهر الحضارة فيها، كما أضاف من في المدن الصغيرة والمحافظات أن تلك لجماعات كانت بمثابة معلم سياحي يبرز جمال المنطقة وكذلك صوت إعلامي للتعريف بها.
لنطرح التساؤل.. هل ما نراه من غياب لتلك الجماعات نهائي.. أم هدوء يسبق العطاء المشرف والمؤدي للأمانة التي يحملونها تجاه مدنهم...؟، فكما نعرف ويعرف من تابع حراك تلك لجماعات وأنشطتهم المشرفة أن من يديرها فنانون كبار في خبراتهم الإدارية والإبداعية التشكيلية ويعد إنشاؤهم لهذه الجماعات مبادرة حضارية ثقافية يشكرون عليها. والتساؤل الآخر هل يسمح أولئك المؤسسون لتلك الجماعات لغيرهم بنقل الاسم لجماعة أخرى أم أنها ملكية خاصة.. أمنياتنا بعودة تلك الجماعات بالقول إن الغد لناظره قريب.
جماعات وجمعيات
مع أن إنشاء وتأسيس الجماعات مع ما يشوب الفكرة من انعدام الأهداف تعد خطوة إيجابية مع وجود الجمعية السعودية للفنون التشكيلية التي لا تختلف تلك الجماعات عنها في جانب الرسوم وما يقابلها، كما لا ننسى لجنة الفنون التشكيلية بجمعية الثقافة والفنون، وهذا لا يغير أو يقف حائلا أمام أي نشاط تشكيلي، بل يزيدنا سعادة أن نرى هذا الحراك الجميل المنافس للفعاليات الثقافية الأخرى.