د. محمد عبدالله العوين
قد يتبادر إلى أذهان كثيرين هذا السؤال بعد أن يرى حماسة شيعة لبنان نحو إيران واستماتهم في الدفاع عنها والانقياد التام لما توجههم به والثقة المطلقة في أنها هي حامية حمى المسلمين والمدافعة عن فلسطين والواقفة بصلابة أمام استكبار «الشيطان الأكبر» الأمريكي والمقاومة للمد التغريبي للأمة!
لا تغيب معان كتلك عن أي خطاب صارخ ملثوغ يحشد له «حزب الله» آلاف الناس في الضاحية الجنوبية من بيروت ذات الأغلبية الشيعية ؛ ليهدر فيهم زعيم الحزب اللبناني اسما والفارسي حقا «حسن نصر الله» بوعود إيران الخضراء للمسلمين كافة ، واستعدادها بكل ما تملك من قوة لاستعادة الحق الفلسطيني المغتصب؛ فيصدق الشيعة كل ذلك الزعيق التمثيلي الأجوف ويندفع الشبان اللبنانيون ممن يحشدون للاستماع إليه وغيرهم ممن يتأثر به في أي مكان إلى المحارق الإيرانية في كل أرض عربية ملتهبة ؛ كسوريا ولبنان واليمن!
اتخذ بعض من ذهبوا إلى التشيع من هجرة أو نفي الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري إلى الشام في عهد عثمان رضي الله عنه بعد أن شكاه معاوية رمزا من رموز رفض سلطة بني أمية ؛ حيث بُني مسجدان في قرية الصرفند وقرية أخرى سميا باسمه ليصبحا فيما بعد مركزا لتجمع الشيعة واستقرارهم فيها وظهور حركة دينية وعلمية كبيرة منبثقة من المذهب الشيعي.
ولم تكن بلاد فارس تنحو إلى التشيع في أغلب ولاياتها ومدنها قبل العهد الصفوي المتطرف ؛ بل كانت سنية تتبع اتجاه الخلافة الإسلامية الأموية في دمشق ثم العباسية في بغداد ؛ ولكن الشاه إسماعيل الأول الصفوي الذي وصل إلى السلطة عام 907هـ الموافق 1500م اتخذ من إجبار الناس على التشيع في أشد صوره غلوا وانحرافا وسيلة لتفريس الدولة الإيرانية ؛ لتنشق وتعتزل عالمها العربي والإسلامي ولتتكون لها رؤية جديدة مختلفة تنبع من الاعتزاز المتزمت بالحضارة واللغة والثقافة الفارسية وترتدي عمامة الولي الفقيه نائب الإمام الغائب المعصوم الذي سيكون إيمان الجماهير الفارسية به وسيلة لاجتماعهم حول سلطته وأداة من أدوات مقاومة هيمنة الدولة العثمانية السنية التي تمتد سلطتها - آنذاك - على نصف الكرة الأرضية.
وإسماعيل الصفوي الذي أكره الناس إكراها على اعتناق التشيع ، وانتهك الحرمات وسفك الدماء وهجر علماء السنة واضطهدهم وأشعل حروبا مع العثمانيين وغيرهم لم يكن ينظر إلى العرب والمسلمين الذين فتحوا بلاد فارس بدءا بمعركة القادسية الباسلة إلا غزاة لا فاتحين وإلا مدمرين للحضارة الفارسية لا بانين ومعمرين للحضارة الإسلامية، وهو كشأن كل الفرس في مواقفهم السياسية والفكرية وفي نتاجهم الأدبي لا يكادون يخرجون من ربقة الاعتزاز الشوفيني الضيق بحضارة فارس وأمجادها القديمة ولا يفتأ أدباؤهم من التغني بالمدائن وإيوان كسرى وتحضر أصفهان وأعياد النيروز ، ويرون العرب غزاة بداة لا تكاد تتجاوز معارفهم الإبل والشاه والخيام والترحل والصحراء ؛ فلم يكن إسماعيل ولا من أتى بعده من غلاة الصفويين كطهماسب الأول دعاة في حقيقة الأمر إلى اعتناق التشيع برؤية الولي الفقيه النائب عن الإمام المهدي المعصوم إلا وسيلة من وسائل استعادة الأمجاد الفارسية وأداة من أدوات مقاومة المد العربي والتركي السنيين.
رأى إسماعيل الصفوي وتبعه طهماسب الأول أن الاستعانة بفقهاء المذهب الشيعي الجعفري سيؤكد سلطته على بلاد فارس وسيعوض ما خلفه فقد فقهاء السنة من فراغ في إيران بالقتل أو التهجير، وسيكون هوية جديدة مختلفة للدولة الفارسية، ولهذا بعث مندوبيه إلى جبل عامل في لبنان وغيره كسهل البقاع والنبطية وجزين وغيرها؛ فاستجاب له بعضهم مثل علي بن حسين الكركي العاملي ت940هـ ؛ نظرا لموقف الدولة العثمانية الحاسم في اجتثاث التشيع في ممالك الدولة العثمانية، وبخاصة في عهد سليم الأول.
ومن هنا امتدت الصلة الوثيقة بين صفويي اليوم في إيران الخميني وشيعة لبنان على النحو المندفع الغبي المرتمي في أحضان الفرس الذين لا يضمرون للعرب إلا الازدراء والاستعلاء والكراهية.