جاسر عبدالعزيز الجاسر
أية قضية يخدمها إزهاق أرواح أكثر من 127 إنسان بريء؟.. كانوا خليطاً من كافة الأعمار، كانوا ينوون قضاء إجازة نهاية الأسبوع، فقام الذئاب المتوحشون من الإرهابيين الذين لا يمثلون أي هوية أو دين لهم، فهم رسل الشيطان كارهون لأنفسهم قبل البشر، فما الذي تنتظره من شخص لا يتردد في قتل نفسه من أجل قتل الآخرين، انتحاريون مجرمون مع أنفسهم وذواتهم وعوائلهم ومع كل البشر.
يخطئ من ينسبهم إلى دين محدد، أو إلى هوية معينة، أو لبلد بعينه، هم بكل بساطة جماعة تخلت عن إنسانيتها وتدنت أخلاقهم وسلوكهم إلى أدنى من سلوك الحيوانات، فحتى الحيوانات لا يمكن أن تقدم على ارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة، فلم نعهد حيواناً قتل نفسه، أو قتل حيوانات أخرى، فهؤلاء قوم تجردوا من كل شيء.
هؤلاء الذين اغتالوا القيم والأخلاق الإنسانية، أيضاً واصلوا تدمير سمعة الهوية الإسلامية، إذ لا يزال الكثير من الأوروبيين يعتبرونهم ينتسبون للإسلام، والإسلام والمسلمون براء منهم ومن أفعالهم التي يشمئز منها كل البشر، والمسلمون في مقدمة الجميع، إذ لا يمكن أن يقر المسلمون أعمالاً بشعة مثل هذه الجرائم التي تفاقم أوضاع المسلمين الذين يعانون كثيراً من حالات الكراهية التي حتماً ستزداد بعد أفعال هؤلاء الذين ينسبون إلى المسلمين رغم أن المسلمين هم الأكثر إيذاء من أفعالهم، فالذين قتلوا على يد هؤلاء المتوحشين في العراق وسوريا وليبيا ومصر والسعودية وتونس أكثر بكثير مما فقدته أوروبا بأجمعه.
لا نبحث عن المبرر والسبب، فكل الأسباب تسقط أمام مقتل ضحية بريئة لا علاقة لها بما يحصل من اختلافات سياسية، ولهذا فإن الأسرة الدولية جميعاً قد استنكرت هذه الفعلة الشنيعة وأنها بعد أن تفوق من هذه الصدمة المؤلمة، فإن المنتظر أن تتكاتف كل الشعوب والدول لمحاربة ومحاصرة الإرهاب أينما يكون وأياً كانت هويته وجهته، وأن يكون العمل جماعياً ولا يستثني أحداً، فلا يمكن أن نغض النظر عن جماعات إرهابية في مكان ما، وننشط في محاربته في جهة أخرى، فالإرهاب واحد وهو يتمترس في جبهة واحدة لا يفرق بينها اختلاف مذهبي أو عرقي فالجميع يعمل على هدم الاستقرار والأمن والسلم الدولي في أي مكان، وعلى الجميع أن ينضم إلى جبهة دولية للقضاء على هذا الإرهاب الوحشي الذي لا منأى منه لأي دولة أو قارة، ومثلما حذر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- قبل أكثر من ثلاثة أعوام أوروبا من أن الإرهاب سيعبر لها ويؤذيها، ها هو تحذيره يتجسد على أرض الواقع ويصيب كل دول القارة بهلع.
وإذا لم يتكاتف الجميع ويضرب كل أصناف الإرهاب مهما تعددت هوياته المذهبية والعنصرية، وإن لم تبعد المصالح القطرية الضيقة عن مواجهة الإرهاب في حرب كونية للدفاع عن الإنسانية والقيم والأخلاق، فسيتحول العالم إلى غابة يسرح ويمرح بها الذئاب المتوحشون.