جاسر عبدالعزيز الجاسر
كشفت حادثة سقوط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ المصري بعد 23 دقيقة من إقلاعها، عن أن مصر تتعرض لضغوط غربية ومحاصرة اقتصادية بهدف السيطرة على قرارها السياسي وإعادة ربط توجهات السياسية والإستراتيجية لخدمة توجهات لا تخدم مصالح الشعب المصري، الذي يعاني من إشكاليات جمة تتطلب من قيادته التعامل مع كافة الدول والكتل العالمية دون أن تحصر توجهات ضمن نطاق كتلة واحدة.
نعم كارثة الطائرة الروسية حدث جلل، ومن حق جميع الدول الحفاظ على سلامة مواطنيها، إلا أن تعامل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مع الحدث لم يكن متوافقاً مع ما اعتدنا عليه في الحوادث السابقة، فبريطانيا سبقت إعلان نتائج التحقيق الدولي الذي يبحث عن أسباب سقوط الطائرة، وقامت بإعادة مواطنيها من مصر، ثم أعلنت عن سيناريوهات سقوط الطائرة، مرجحة تعرضها إلى عمل إرهابي، وأنها كانت تملك معلومات مسبقة عن هذا العمل.. وهذا إن صح فإن الأجهزة الاستخبارية البريطانية تكون قد تسترت على الإرهابيين المجرمين الذين نفذوا عملية إسقاط الطائرة حسب الادعاء البريطاني.. وكان المفروض أن تبادر السلطات البريطانية إلى إبلاع السلطات المصرية بما لديها من معلومات خاصة، وأن عدداً من المواطنين البريطانيين موجودون في المكان المستهدف، وأن من واجب السلطات البريطانية توفير الحماية لهم.. كما أن المخابرات الدولية بما فيها الأمريكية والإسرائيلية تدّعي أنها اعترضت مكالمات وأحاديث بين عناصر إرهابية في سوريا وشبه جزيرة سيناء، وأن تحليل تلك المكالمات تشير إلى تورط تنظيم داعش الإرهابي في جريمة إسقاط الطائرة الروسية.
كل هذه الادعاءات أذيعت قبل الإعلان النهائي عن نتائج التحقيق الدولي، الذي تشارك فيه إلى جانب مصر فرق متخصصة من روسيا وفرنسا وآيرلندا، وكان المعتاد أن ينتظر نهاية التحقيق لإعلان ما يعرفه الآخرون، وإن كان المفروض أن يقدموا معلوماتهم إلى فرق التحقيق إذا كانت النوايا صادقة وبعيدة من شبهة التآمر.. فقد أدى تكاثر التصريحات والتحذيرات إلى إرهاب السواح الذين تركوا شرم الشيخ وباقي المنتجعات السياحية المصرية وهو ما كبد الاقتصاد المصري خسائر جسيمة بسبب صنع موجه من التخويف طالت الجميع بما فيهم السواح الروس الذين حرموا من دفئ المنتجعات المصرية ورخص أسعارها.
الآن يواجه الاقتصاد المصري تحدياً جديداً بعد حرمانه من مورد كبير يتمثل في إيرادات سياحية، وهو ما يتطلب دعم فوري من أشقاء مصر من العرب والشعوب المحبة للسلام.. ومن هذا المنطلق جاءت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وأمره للخطوط السعودية الجوية بمواصلة الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ وهي التي لم تتوقف، وإنما جاءت الدعوة لتعزيز الثقة بالإجراءات المصرية التي تحققت لجعل المدن المصرية آمنة رغم كل ما تقوم به الجهات المعادية لمصر وللعرب جميعاً.
والمصريون الذين يعون حجم المخاطر وما يخطط لهم الأعداء، عليهم أن يعملوا بكل جد لسد أيّ ثغرات أمنية يمكن أن ينفذ منها الأعداء أو تلك التي تتيح لأصحاب النفوس الضعيفة من أن يكون أدوات مساعدة لخدمة أعداء بلدهم وأمتهم.