جاسر عبدالعزيز الجاسر
في موقف يكشف اختلال التوازن في تعامل الدول مع بعضها، وقبول دول تصنَّف كدول كبرى الخضوع لتجاوزات دول لا تزال تعاني من تأكيد جدارتها بالانضمام إلى الأسرة الدولية نتيجة عدم التزامها بالقيم الأخلاقية والمواثيق الدولية والاتفاقيات التي تسير وتحكم العلاقات بين الدول، فقد صعّد الكيان الإسرائيلي في مواجهة غير متكافئة وغريبة من ضغوطه على دول الاتحاد الأوروبي التي تعتزم الاستجابة لنصوص الاتفاقيات الدولية التي تنص على وجوب تميز المنتجات التي تصدَّر خارج حدود الدول عن المنتجات التي تنتج في المناطق التي تحتلها تلك الدول. والكيان الإسرائيلي تحتل قواته العسكرية الأراضي الفلسطينية، التي زرعتها بالمستوطنات الإسرائيلية، التي استولت على الأراضي الفلسطينية الخصبة، وتوسعوا في إقامة المزارع التي تنتج كميات كبيرة من الفواكه والخضراوات الفلسطينية التي تشتهر بجودتها. هذه المنتجات الزراعية التي تنتجها الأراضي الفلسطينية، ويذهب خيرها للمستوطنين الغرباء، تُصدَّر إلى الدول الأوروبية، التي طالبت بموجب الاتفاقيات الدولية بالالتزام بنصوص الاتفاقيات التي تُلزَم الدول المحتلة لأراضي الغير بأن تحمل المنتجات التي تصدَّر من الأراضي المحتلة توضيحاً يشير إلى مكان إنتاجها، وهو ما طالبت به الدول الأوروبية التي رفضت دخول الصادرات والمنتجات التي ترسل من المستوطنات الإسرائيلية إلا بعد أن توضع ملصقات على تلك الصادرات تشير إلى أنها مرسلة من قِبل المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذا القرار الأوروبي المتوافق مع نصوص المواثيق الدولية جعل الكيان الإسرائيلي يثير الضجيج، ويرفع من صراخ مسؤوليه محتجاً على قرار قانوني دولي، مطالبين بعدم الإشارة إلى أن المنتجات مرسلة من المستوطنات الإسرائيلية، والاكتفاء بأنها مرسلة من دولة إسرائيل.
طبعاً دول الاتحاد الأوروبي لم تلتفت لضجيج الإسرائيليين وصراخهم، إلا أن مجرد قيام المسؤولين الإسرائيليين بهذه الحملة يُعدُّ تصرفاً غير لائق وغير معتاد من قِبل الدول التي تتكافأ في علاقاتها وتعاملاتها، فكيف يتم قبوله من قِبل دولة لا تزال تعتمد في بقائها واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية على المساعدات الأوروبية الاقتصادية، والدعم السياسي السافر لكل إجراءاتها التي لا تتوافق تماماً مع المواثيق الدولية، وأولها استمرار احتلالها لأراضي الغير ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الدولية التي نصت على إنهاء احتلالها لتلك الأراضي. ولم تكتفِ هذه الدولة بهذا الاحتلال والسيطرة العسكرية على تلك الأراضي بل تستنزفها، وتجردها من خيراتها، وتصدِّرها للخارج طالبة احتسابها ونَسْبها لإسرائيل في محاولة مكشوفة لسرقة موارد الشعوب، ومطالبة الدول الأخرى بالتستر على هذه السرقة بالابتزاز السياسي - كعادتها - مع الأوروبيين، ومع الدول الغربية عموماً.