جاسر عبدالعزيز الجاسر
يتداول الليبيون قائمة أسماء، يطلقون على أصحابها تجار الدم؛ إذ تخصص هؤلاء في المتاجرة بأدوات القتل، من المتاجرة بالأسلحة، وتشكيل فرق الموت، وإنشاء جماعات مسلحة لنهب موارد الدولة. ووصل الأمر إلى أن يقوم هؤلاء بتنظيم حملات لنهب البنوك والمصارف. وقد تم رصد نهب سبعة وثلاثين مليار دولار من البنوك، وثمانية أطنان من الذهب، إضافة إلى سرقة مليارات الدنانير الليبية، ومعدات نقل الأموال من السيارات المصفحة، وغيرها من الأجهزة والمعدات التي ساعدتهم على تكوين إمبراطورية نهب منظمة، تفوق في قوتها (المافيات) التي شهدتها بعض الدول الأوروبية وأمريكا في القرن الماضي.
الليبيون ولتأكيد ظاهرة لصوص المال العام في بلادهم نشروا قائمة لأفراد، كانوا أشخاصاً عاديين، لا تتعدى ممتلكاتهم وأرصدتهم في البنوك الأرقام العادية، أصبحوا الآن من أصحاب الملايين، وبعضهم تعدت أرصدتهم المليارات من الدولارات الأمريكية. بعضهم كان بائع ساندويتشات، آخر سائق شاحنة توزع المياه، وآخر سمكرياً، وسباكاً.
تصوَّر أن سباكاً يمتلك أكثر من مليار دولار، وفي بضع سنين، وتبحث عن الكيفية التي جمع بها هذا السباك هذا المبلغ تجد أنه تخلى عن تصليح مواسير الصرف الصحي، واتجه إلى مهنة تسليك البنوك والمصارف؛ ليتحول إلى لص بنوك بعد أن شكل مليشيا تخصصت في نهب الأموال.
هذه الحالة لا تقتصر على ليبيا؛ فلها صور مشابهة في دول تشهد انفلاتاً أمنياً، ويعمها الفساد المالي والإداري. ففي العراق أصبح صاحب محل لبيع الكباب مليونيراً، يتعدى رصيده سبعة أرقام. وبائع سبح متشرد عند مرقد السيدة زينب أصبح أكبر من مليونير؛ فثروته تتعدى المليارات، وله أملاك في دبي وأمريكا وبريطانيا ولبنان.
في اليمن تتكرر الحالات؛ فالعديد من أثرياء الحروب يسلكون الأساليب والطرق نفسها التي يقوم بها اللصوص وناهبو ثروات الشعوب. في اليمن تضخمت ثروات العديد من القادمين من قرى صعدة، الذين كانت أولى وجهاتهم عند وصولهم إلى صنعاء وعدن وتعز وعمران المصارف وصناديق إيرادات الدولة. بعضهم تخصص في الاستيلاء على المنازل ومستودعات الأسلحة والمواد الغذائية، وأخذ يتاجر بها، والآخرون تخصصوا في استيراد أسلحة من الخارج، وبيعها بضعف ثمنها إن لم يكن قد حصل عليها بأسعار متدنية من جهات يهمها استمرار الحرب في اليمن.
في ليبيا وفي العراق، وكذلك اليمن، وجميع الدول التي تشهد حروباً ومعارك أهلية، تضخمت جماعات تمويل الحروب، وارتفعت قائمة أثرياء الحروب الذين أثروا على حساب أرواح الملايين من أبناء شعبهم، وبعضهم لم يكن يحلم بهذه الثروة التي تضخمت بعد نزف دماء الشعوب.
هؤلاء، ولأن وقف الحرب سيُوقف نمو وتضخم ثرواتهم، فإنهم يعملون بالسبل كافة لاستمرار هذه الحروب، وإجهاض كل المحاولات الجادة لوقف هذه الحروب. وهذا ما نراه بوضوح في ليبيا والعراق واليمن؛ إذ تتحالف جماعات الفساد المالي والسياسي وتجار الحروب والأثرياء الطارئون والدول الأجنبية التي تسعى لدمار الشعوب المستهدفة، هو الذي يعرقل كل ما يُبذل لوقف هذه الحروب.