علي الخزيم
سقط مهاجم الفريق الكروي الأوروبي بمنطقة داخل مرمى الخصم؛ ما يعني احتساب ركلة جزاء صريحة، وشاهدت المقطع المُصوّر حين توجّه اللاعب النزيه بالحال إلى حكم المباراة، وأكد له أن المدافع الخصم لم يتعرض له بأذى وأنه تعثّر من نفسه وسقط، فألغى الحكم قراره، وكلاهما كان هادئاً واقعياً دون تشنج أو تردد مشوب بالشكوك والتأويلات، وكذلك بقيّة اللاعبين من الطرفين تقبلوا القرار بالارتياح، وسارت المباراة الكروية سلسة كما يجب ان تكون، وقيل لي إنه لم تحدث أي خلافات أو احتجاجات لاحقة، وذلك حين سألت عن تبعات الواقعة؛ لأني لست ضليعاً بأمور كرة القدم مكتفياً بمتعة المشاهدة المحايدة، ولا تعنيني المواجهات الساخنة التي تدور رحاها أمامي في المجالس أحياناً، أو على شاشات التلفزة بما يسمى التحليل الكروي، وحقيقة فإن أكثره (تحليلٌ لما لم يُحَلّل) عُرفاً وذوقاً؛ لما يشوبه من ألفاظ نابية وتلميحات جارحة، وإثارة لميول المشجعين لا سيما الناشئة، وهم المرتكز لأن من مضى به عمره ولم يعقل فن التشجيع ونزاهة الانتماء للفريق المفضل فهو حالة ليست بحاجة إلى توجيه، بل لإخداعها للعلاج الشافي، أو نيل بطاقة التعصب الأعمى والاعتراف الصريح بهذا النهج الخارج عن الطريق السوي في مسار التشجيع الراقي، والمساهمة في رسم القدوة الحسنة للأبناء والاحفاد بالأسرة والمجتمع، فكم كلمة أو تصرف أو إشاعة اشعلت حرباً كلامية تتلقفها (بعض) البرامج الكروية لتجعل منها مادة لجذب المشاهدين على حساب نقاوة المجتمع من صدق التعامل والشفافية بالطرح، والإقناع بأن الخداع والتدليس باللعب والأحكام إنما هو فن واحتراف كروي لا يجيده إلاّ اللاعب المتمكن بفنون اصطناع (الأكاذيب الحركية) داخل الملعب لإيهام الحكم، وبذلك تكون هذه البرامج قد تحولت إلى منبر غير موثوق لتربية النشء، وبالتالي فهي لم تتعلم من مثالية وصدق اللاعب الأوروبي، ولم ترتق إلى درجة برامج تحليلية راقية بأسلوبها الشفاف المحايد، وهي لم تدرك -كما يبدو- الآثار السيئة العميقة المتراكمة التي تتركها تلك المناقشات الحادة المتحيزة اعقاب المواجهات الكروية، وكأنها تعيد سجلات حروب داحس والغبراء وهي حرب من حروب الجاهلية وقعت في منطقة نجد وبالتحديد بقرية دخنة عند جبل خزاز أو خزازي التابع لمدينة الرس بمنطقة القصيم بين فرعين من قبيلة غطفان (عبس وذبيان) و داحس والغبراء حصان وفرس؛ داحس لقيس بن زهير العبسي الغطفانيوالغبراء لحذيفة بن بدر الذبياني الغطفاني، وفي رهان على قضية بينهم كان الشرط أن الأمر فيها يكون لمن يفوز بالسباق بين داحس والغبراء، ولخشية صاحب الغبراء من قصورها عن داحس، أوعز لصحبه بمكيدة لكبح داحس إن هو تقدم؛ بافتعال شيء يخيفه أثناء الطريق، وهذا ما كان فتقدمت عليه الغبراء، وحين انكشاف الحيلة قامت الحرب ودامت امداً طويلاً.
أعود للدعوة لتنمية الأخلاق والروح التنافسية الشريفة والرقي بالذوق العام لدى الناشئة رجال المستقبل، والحفاظ على نقاء ورقي الخطاب لدى الشباب ونشر ثقافة وفن الحوار مع الآخر.