فضل بن سعد البوعينين
لم تعد قوة الدول الفردية، مهما عظمت، قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، بل أصبحت في أمسّ الحاجة لدعم الدول الأخرى من خلال تكتلات قائمة على المصالح المشتركة. بات الاقتصاد المحرك الرئيس للسياسة، والأكثر تأثيراً في العلاقات الدولية.. ومن خلاله يمكن تحقيق رفاهية الشعوب واستقرار الدول، أو استغلاله للتأثير السلبي عليها.
التركيز على الإصلاحات الاقتصادية المحققة للتطلعات، والداعمة لتحقيق هدف «الرفاهية»، الأمن والاستقرار، بات هدفاً «سلمانياً» لا يمكن الرجوع عنه.. يظهر ذلك في التشريعات والقرارات الاقتصادية المتتالية التي اتخذتها الحكومة في فترة زمنية قصيرة، وجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الموجهة نحو خلق تكتلات اقتصادية سياسية داعمة للتنمية والأمن والاستقرار والتعايش بين الشعوب.
خارطة طريق تنموية، محلية ودولية، تقودها المملكة بكفاءة، حشدت من أجل تحقيقها الجهود، وأزالت من أمامها العقبات.
شهدت القمة الرابعة للدول العربية ودول أميركا الجنوبية «أسبا» تركيزاً أكبر على الجوانب الاقتصادية وربطها بالأهداف السياسية، وهو أمر متوقع، إلا أن تركيز خادم الحرمين الشريفين على القضايا الاقتصادية الجوهرية كان لافتاً.. «تذليل العقبات والمعوقات وتشجيع ودعم تدفق الاستثمارات، وتبادل الخبرات، ونقل التقنية وتوطينها، والتعاون في المجالات كافة» هدف مشروع لرفد العلاقات الاقتصادية بين دول القمة.
اختزل الملك سلمان بن عبد العزيز أهم متطلبات التنمية الاقتصادية حين دعا في كلمته إلى تأسيس مجالس لرجال الأعمال، توقيع اتفاقيات للتجارة الحرة، تجنب الازدواج الضريبي، وتشجيع وحماية الاستثمارات بين دول الإقليمين، وبما يوفر إطاراً تنظيمياً وقانونياً لتعزيز تدفقات التجارة.
يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً أكبر في تنمية اقتصاديات الدول، إلا أنه في حاجة ماسّة لتوفير الحماية التامة لاستثماراته، وتوفير الأنظمة والقوانين المحفزة للاستثمار والتبادل التجاري، وإزالة المعوقات الضريبية الطاردة للاستثمارات.
الشراكة بين القطاعين الخاص والحكومي القائمة على الشفافية والقوانين المنضبطة قادرة على تحفيز الاستثمارات البينية بين دول الإقليمين، وقادرة أيضاً على رفع حجم التبادل التجاري بشكل كبير.
التنوع الاقتصادي بين دول «أسبا» يجعلها قادرة على رفع معدلات الاستثمار والتجارة البينية إلى ثلاثة أضعاف حجمها الحالي.
بناء التكتل «العربي - اللاتيني» لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الاقتصاد، وهو الباب الواسع للتحالفات السياسية الفاعلة.
قد تتباين اهتمامات دول القمة، وهو أمر طبيعي، إلا أن التنسيق الأمثل بينها يمكن أن يقلص حجم التباين، ويسهم في تحقيق التكامل الأمثل على أسس متينة تخدم مصالح الدول، والشعوب.. لا يمكن للبعد الجغرافي أن يكون عائقاً للتكامل بين الإقليمين.
أصبح العالم قرية صغيرة تتواصل فيها الشعوب بسهولة، وتتدفق من خلالها التجارة، وتتقاطع فيها المصالح، وترتبط بشبكات نقل كفؤة قادرة على ربط أسواقها بسهولة، وتوثيق علاقاتها على أسس اقتصادية متينة.
تعمل المملكة بإخلاص وأمانة لتحقيق السلام والتنمية، وهما غاية الشعوب وهدفها الأول، وتجتهد لجمع الصف العربي وتقويته ودعمه بتكتلات إقليمية تحول دون تهميشه عالمياً، أو التحيز ضده، أو العمل على زعزعة أمنه واستقراره.
تجربة العراق، ليبيا، سوريا، اليمن، و (مصر) من التجارب المؤلمة، والجروح الغائرة في الجسد العربي، تسببت في انهيار غالبية تلك الدول وضياع شعوبها وتهجيرهم.. أخطاء متراكمة يجب التفكر فيها، ومعالجتها، ومنع حدوثها مستقبلاً، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالاجتماع ونبذ الفرقة، وتحقيق التنمية الاقتصادية، وبناء التكتلات الإقليمية الداعمة للقرار العربي من جهة، والضامنة لاستقرار المنطقة من جهة أخرى.
سياسة القوة الناعمة التي تنتهجها المملكة باحترافية، تستوجب من جميع الدول العربية، المناصرة والدعم، بأمانة وصدق، والاصطفاف خلفها، لتعود بنفعها على الجميع.